الجمعة، 29 نوفمبر 2013

إبداعات فكرية وإشراقات عرفانية عند المفكر طه عبدالرحمن



إعداد الباحث محمد أحمد الصغير
الدكتور طه عبدالرحمن أحد الفلاسفة المعاصرين الذين تميزوا بإبداع مشروع فكري فلسفي حداثي، أمتاز بعدة ميزات أهمها: الإبداع والاستحداث والتجديد، ليس في الفلسفة فحسب وإنما في العمل أيضاً. فلم تعد الفلسفة معه محض نظر وتأمل خالص وخالي من العمل، ولم يعد العمل شيء لا يعتد به في اعتبار النظر، أضحى الاثنين يدوران في فلك واحد ويرتبط أحدهما بالآخر ارتباط العلة بالمعلول والدال بالدلالة وما أكثر كلمات الفيلسوف التي تأتي في هذا المنحى وتسير في هذا المسار ابتداء من كتابه «العمل الديني وتجديد العقل» ومروراً بكتابه سؤال العمل ثم سؤال الأخلاق وغيره من الكتب التي تبحث في ضرورة العمل وأهميته وأنه يشكل روح الإنسان، وبخاصة الإنسان العربي إذا أرد لنفسه أن يخرج من عباءة التبعية والتقليد ويعيد تركيب حضارته والنظر إليها من جديد. والعمل نوعين عمل ينتفع به وعمل غير صالح، وليس للإنسان غاية في الحياة ينشدها غير العمل الصالح النافع الذي ينتفع به وينفع به غيره.
هكذا تكون الأخلاق في أجلى معانيها، ليست أخلاقاً نظرية ولا محض إدعاءات فكرية وإنما ضمانة لثبات العالم الإنساني وعدم اهتزازه أو اهترائه أو تخليه عن ماهيته التي خلق عليها! يقدم طه الأخلاق ضمانة لفلسفته وكل نتاجاته الفكرية، حتى أداته النقدية يصطنعها من الأخلاق بعد أن يمزجها بالمنطق، فيأتي نقده للحداثة نقداً أخلاقياً صريحاً وأبداعه للحداثة البديلة أبداعاً خلقياً، يبدأ بالتربية الخلقية الفاضلة، وهذا يذكرنا بالمدينة الأفلاطونية المثالية التي بناها أفلاطون على المثل والقيم والمبادئ العالية الرفيعة.
وعندما يذكر طه عبدالرحمن، فإنه بالتبعية يتم استحضار أداته المنطقية التي اصطنعا في صبر وأناة حتى أصبح واحد من أكبر المناطقة العرب في المنطق الصوري، فلا يخلو كتاب من منهجية منطقية وأفكار وضعت بدقة وصيغت بحنكة تذكرنا بإبداع فنان الأربيسك العربي الإسلامي القديم، تشكيلات هندسية ولكن في صورة فلسفية هذه المرة! وليست في صورة زخارف وفسيفساء.
المشروع الفلسفي بين الإبداع والإشراق
ليس المقصود بالإبداع الفكري هو أن نقوم برصد كتاباته ومؤلفاته الفكرية الإبداعية والحديث عنها، وأن كنا سوف نفعل ذلك ولكن في معرض غير هذا المعرض، وإنما قصدنا من هذا العنوان اللطيف «الإبداع الفكري لمشروعه الفلسفي» أن نرصد مع التحليل والوعي المقاصد الكبرى التي جاءت لأجلها فلسفة الفيلسوف طه عبدالرحمن.
وغاية الفلسفة الطاهائية هي غاية نبيلة، وأن كان يصعب على غير المنتمي للمشروع الإسلامي أن يقبلها، ذلك لأن المفكرين العرب والمسلمين المعاصرين، منقلبين على أنفسهم ما بين داعي إلى حداثة غربية وما بين مقلد لإصالة دون نقد أو تمحيص ناهيك عن الاتجاهات الفكرية والتشرذمات العقلانية التي تجد لها من يبرر وجودها من وجودية أثنة وماركسية متناقضة وعبثية لا أنزل الله بها من سلطان، وتيارات سياسية تنازع في موتها..ويبقى المشروع الإسلامي وحيداً منصرف عنه كل ذي عقل وكل ذي فهم لبيب! لأن هذا الحاصل ليس محض صدفة أو عبث إنما هو سنه من سنن الكون! فإنصراف الناس عما فيه خيرهم أمر أن تحدثنا فيها فلا تكفي هذه الورقات، فالنفس والعقل البشري جبل من القديم على الهروب مما ينفعه ويصلح من شأنه ويهدي قلبه ويشرحه، إلا من رحم ربي وشرح صدره للإسلام فلا يجد صعوبة في تنافسه، إما الذي أغلق الله قلبه فكأنما يصعد في السماء، فالصعوبة دائماً تواجه وتطارده في الاصطلاح والتركيب والنقد والتمحيص، ولا يقبل حقائقه إلا رغم أنفه، وعندما يجد من المستشرقين من يثنى عليه، سرعان ما يبدل فكرته ويخلع عباءته التي زركشها بالعقلانية والمنهجية وفحواها ليست إلا كراهية خبيثة للإسلام ومبادئه، وينادى في الناس أليس هذا دينكم، وكأنه ولأمر مرة يجد فيه الحقيقة ويجد فيه المحاسن  والمزايا التي عثر عليها المستشرق في بحثه!
وفي هذا الخضم الهائل من التشرذم الفكري، وجدت ثلة من الإصلاحيين والمفكرين النابهين، وكان منهم هذا الولي([1]) الصالح والمفكر الملهم طه عبدالرحمن.
والإبداعات الطاهائية الفكرية المستحدثة يمكننا اختزالها في الآتي هي :
الإبداع الأول : تأسيس حداثة إسلامية
الإبداع الثاني : تأسيس نظرية تقويمية تكاملية للتراث
الإبداع الثاني : طرح فلسفة جديدة  (فقه الفلسفة / فلسفة الأخلاق والدين)
أما أركان مشروعه الفلسفي فقد ارتكزت على عدة محاور أساسية هي :
المحور الأول : التشقيق اللغوي والنحت المصطلحي :
المحور الثاني : الإبداعي الفلسفي الخالص أو ما يعرف بفقه الفلسفة.
المحور الثالث : التقويم التراثي والإبداع الترجمي
المحور الرابع : هدم نموذج الحداثة الغربية وتأسيس نموذج حداثي بديل
المحور الخامس : الإشراق العرفاني ودوره في نضوج العقل الكامل.
خمسة محاور في رأيي هي من أهم المحاور التي قام عليها المشروع الفلسفي الطاهائي، يأطرها جميعاً منهج منطقي تحليلي، صاغه صاحب المشروع في مهارة وحنكة مناطقة زمانه وعصره.
ولنناقش كل محور بشكل من الإيجاز الغير مخل، والتفصيل الغير ممل.
المحور الأول : التشقيق اللغوي والنحت المصطلحي :
أكثر شيء شغل فكر الدكتور طه في بداياته الفكرية، كان مسألة فقه اللغة والأصول اللغوية للفلسفة، لأن اللغة هي حاملة الفكر وهي أداة التعبير عنه، وقديماً قال الفيلسوف اليوناني سقراط لأحد تلامذته «تكلم حتى أراك» والكلام جزء من اللغة. ومسألة اللغة هي من أكثر المسائل حضوراً في ذهنية الفيلسوف، وصعوبة (أو سهولة) الفلسفة لو وجدت فإنها توجد بالأساس في لغتها، فتكون اللغة والاصطلاح هي «كارت العبور» للدخول إلى التفلسف الصحيح . ومن لا يملك لغته لا يملك عقله!
لذا جاء إدراك الدكتور طه لهذه المسألة مبكراً، وقد حشد لها كل ما أمكنه من عدة لغوية واصطلاحية بأحدث ما جد في فقه اللغة واللسانيات، وأفضل ما استحدث من نظريات جديدة تعالج المسائل اللغوية والفلسفية الشائكة.
وقد عبر عن هذه المسألة في كتاباته الأولى بعدما تبلورت في ذهنه واختمرت عقله، فقال: «على الفيلسوف، قبل أن يتجه باجتهاده إلى التوعية بقدرة لغته الفكرية أن يميز لغته عما ليس من لغته، أو يتعارض ولغته عما هو لغو ..ولغونا يظهر في التشويه الذي لحق أصول لغتنا وبُناها وكبت فلسفتها [....]، وعلى الفيلسوف العربي أن يخلصنا من هذا اللغو الذي حال دون تحررنا العقلي، ودون إبداعنا الفكري، وبهذا تكون رسالة الفيلسوف العربي رسالة لغوية من منطلقها»» ([2]).
بمهارة وخفة شديدة استطاع أن يمسك بمشرط اللغة ويبدأ في تشقيق ألفاظها واستخراج الجديد منها كأفضل جراح لغوي، لا يباريه في ذلك مفكرى زمانه الأفذاذ. يحفر في بنيات اللغة ويحرك اللسان حركات لطيفه وخفيفة، مريداً بذلك معرفة المسافات البينية التي تربط الحرف بالحرف وتعطي للكلمة منطوقها واللفظ دلالته!
ويمكننا الإقرار بأن هذا المنطلق اللغوي والاصطلاحي كان من الأعمدة الرئيسة في مشروع الدكتور طه الفلسفي، فلا يخلو كتاب من كتبه من حفر لغوي جديد واستعمال لألفاظ راكدة، في إشارة منه إلي أن إهمال اللغة يحدث الانتكاس الفكري، والركود المعرفي، ويفسح المجال لرواج لغة الأخر، الأكثر قوة ومدنيّة، ولا يغيب عن أحد كم المفردات الغربية ذائعة الصيت في تراكيبنا اللغوية ومباحثنا الفكرية، ووراء ذلك ترجمة ليس فيها إبداع أو نقد أو تحليل، فجاءت ترجمة إتكالية تقتات على طاولة فكر غيرها.
المحور الثاني : الإبداعي الفلسفي الخالص أو ما يعرف بفقه الفلسفة.
وفيه يتخلص الفكر الفلسفي العربي والإسلامي على السواء، من نظيره الغربي الذي ارتقى وتصدر ركبه، وساقه ورائه كالظل، الذي يتبع صاحبه حذو النعل بالنعل.
وقد اصطنع الدكتور طه ذلك فقه جديد اسماها فقه الفلسفة طلب فيه تحرير القول الفلسفي والمفاهيمي من التبعية والتقليد وذلك حتى يتحقق الإبداع الفلسفي المنشود بإنتاج فلسفة عربية إسلامية أصيلة.
وتأسيس فقه فلسفي يدرس ظواهر الفلسفة ويعالج مشكلاتها يعبد الطريق أمام المتفلسفين العرب المسلمين، ويمهد إمامهم إمكانية إنشاء فلسفة إسلامية خالصة.
وقد أفرد الدكتور طه لهذا العلم الجديد كتابين من أهم كتبه، الكتاب الأول عالج فيه علاقة الفلسفة بالترجمة، لما للترجمة من أهمية، فعن طريقها تعرفنا إلى فلسفة اليونان وعن طريقها تم النقل بسهو أو بعمد ما لا يليق بنا، وعن طريقها حدث اللغط لدينا وانتقل إلى فكرنا المختلف إشكالات ليست تمس قضايانا الحقيقة بشكل جوهري.كالإشكالية التي تفرق بين العقل والقلب وأخرى تقيم تعارض بين العقل والشرع وثالثة تؤكد انسداد الطريق بين العقل والخلق، وكلها إشكالات تم نقلها، دون التمحيص في فحواها، وقد تناولها الدكتور بالتحليل الدقيق في كتابه سؤال العمل،  ثم انه عن طريق الإبداع الترجمي يحصل لدينا ما يمكن أن نقول تجديد نظر في الفلسفة برمتها!  إما الكتاب الثاني فعالج  فيه قضايا فلسفية أو الأقوال والمفاهيم الفلسفية، وكيف يمكننا الاشتقاق والحفر المفاهيمي الفلسفي.
ولم يكن هو أول المنادين بتحرير القول الفلسفي من التبعة والتقليد، فقد سبقه إلى ذلك كثير، فلدينا مفكرين كثيرين نادوا بإنشاء فلسفة عربية إسلامية تشبهنا وتعبر عنها، ولكن الإبداع الحقيقي الذي أتي به الرجل هو الآلة الجديدة التي قدمها أو العلم الجديد الذي بادر بتأسيسه.
المحور الثالث : التقويم التراثي والإبداع الترجمي
من أجل إنجاز مشروع الفلسفة العربية الإسلامية الخالصة، لازم أولاً  أن نقف على القديم ليس موقف القاطع لرحمه ولا موقف الناقض لبناءه وإنما موقف الناهض المقوم لتراثه وأرثه، ولا يحصل ذلك إلا بالنقل الصحيح عن المصدر وليس مجرد النقل فقط وإنما الإبداع مع النقل. ومسألة التراث تثير العجب لدى مفكرينا، ابتداء من زكي نجيب محمود وانتهاء بعبدالله العروي وغيره من مفكرين أمثال الجابري وأركون.
المحور الرابع : هدم نموذج الحداثة الغربية وتأسيس نموذج حداثي بديل
نظر الفيلسوف من حوله ومن ورائه فوجد المفكرين متدافعين نحو مسلكين، فهذا يدعو إلى تراثه وأرثه وذاك يدعو إلى حداثة وتجديد وما بين الفريقين كما بين السماء والأرض من بون واتساع. ولست أدرى كيف يتسنى الجمع بين ذلك وذاك!
ولكن طه استطاع أن يفعل ذلك، بعد أن جادت ذهنيته بأفضل ما لديها من أفكار تجديدية وأصلاحية.
فها هو يدعو إلى تقويم التراث القديم ثم تأسيس الحداثة البديلة منتقداً في ذلك أشد الانتقاد نموذج الحداثة الغربية السائد والذي لحس عقول مفكرينا العرب!
- الإشراق العرفاني ودوره في نضوج العقل الكامل.
تأسيس «فلسفة إسلامية»، تأسيس «حداثة إسلامية»، تأسيس «اصطلاح إسلامي»، كل هذه الأفكار العظيمة آتت من عقل كامل ومتسع ومؤيد بقين عرفاني قل أن تجد مثله لدى مستهلكي السلعة الفلسفية من موردها الأصلي الغريب عن ثقافتنا ذات الهوية المخصوصة!
ولا يعرف تاريخ الفكر الفلسفي المعاصر لدينا نحن العرب فيلسوف شاع عن كتاباته ومؤلفات، لفظة إسلامية غير هذا الفيلسوف المرموق. فكل كتاباته وأن لم تذكر إلا في القليل ذلك صراحة إلا أنها في فحواها ومحتواها دفاع عن حق الاختلاف العربي والإسلامي على السواء، اختلاف في العقلانية، واختلاف في الحداثة واختلاف حتى في الاصطلاح المنثور بين طيات الكتب الغربية هنا وهناك.
دافع الرجل عن العقل العربي المسلم المختلف، فليست مكوناته المعرفية مثل مكونات نظيره الغربي، وليس منطلقاته كمنطلقات الأخر. ولأن العقل هو أداة الفكر فكان لازم عليه الشروع في نقده وتمحيصه ثم إعادة بناءه وتركيبه على أرضية جديدة وخالية من الإنتكاسات، الفكرية أو الاصطلاحية.
والعقل عند طه ليس على درجة واحدة وإنما هو درجات، فهناك العقل المستقل عن الدين، وهذا هو العقل المجرد النظري، وهناك العقل المسدد والمؤيد بالدين، وهو على ضربين أو أن شئت قل درجتين : عقلانية مسددة لا تخلو من آفات سلوكية ومعرفية وأخرى مؤيدة، حصيلة التجربة العرفانية، التي خاض غمارها الدكتور طه، وأورثته يقيناً عرفانياً مؤيداً. عرف به ما وراء الحدود وما وراء العقل، وأبصر بنوره الحقيقة في سطوعها، والنور في إشراقه.
المشروع الفلسفي الطاهائي والإشراق العرفاني
كنت قديماً أتساءل في حيرة  لماذا المستشرقين الغربيين كثيري الاهتمام بمبحث التصوف الإسلامي، ولماذا الدراسات الفلسفية بالأخص هي من ترعى ذلك وتغذيه وتنميه حتى أضحى درس التصوف الإسلامي يدرس في أشهر الجامعات الغربية، بجامعة السوربون قسم خاص بالدراسات الإستشراقية وبداخل القسم تخصص عن الدراسات الصوفية بالتحديد؟
سؤال وجدت إجابته في تجربة الدكتور عبدالله الشارف وهو يحكي عن نفسه : « وقد يكون من العوامل المباشرة أيضا؛ إعجابي الشديد بكتاب ومفكرين فرنسيين دخلوا في الإسلام عن طريق التصوف وانبهروا بالتراث الصوفي الإسلامي، وشرعوا في نشر هذا التراث ترجمة ودراسة كما عكفوا على ممارسة الحياة الصوفية، سواء على الطريقة الفلسفية أو الطرقية، وأذكر من بين هؤلاء الكتاب، الباحث والفيلسوف الصوفي رونيه كينو، الذي أنهى حياته في القاهرة وعرف بعد إسلامه بالشيخ عبد الواحد يحيى، وترك مؤلفات صوفية وفلسفية، وأخرى في نقد الحضارة الغربية. ومنهم روجي غارودي الفيلسوف الماركسي المعروف الذي أسلم وكتب في الحضارة الإسلامية بأسلوب فلسفي وصوفي، ومنهم أيضا ميشال تشولد فسك الأستاذ الجامعي صاحب الأبحاث والتآليف في التصوف الإسلامي، وأمثال هؤلاء كثيرون في فرنسا وباقي دول البلاد الغربية. وناهيك عن المحاضرات والندوات التي تعقد في موضوع التصوف والرسائل والأطروحات الجامعية التي تتناول تاريخه ومجالاته ومظاهره. وحلقات الذكر على الطريقة الشاذلية أو النقشبندية إلى غير ذلك مما يتعلق بالممارسة الصوفية»([3]).
وطه عبدالرحمن لم يختار أن يكون من أهل العرفان كما اختار عبدالله الشارف قبل سلوكه درب التصوف، وإنما وجد الدكتور طه عبدالرحمن نفسه في ذلك الأمر منذ صغره ومذ وعت عيناه ضوء الشمس، وفقه قلبه حب الله والوجود والخلق أجمعين.
حتى يصار يسمع للشجر تسبيح وللمطر تهليل وللخيل صليل وتكبير! هكذا تحدث الوجود إليه وهكذا أبصرت عينه حقيقة الخمرة والغياب مع الحضور في الحضرات!
فأبدع عقله نظرة كلية للأشياء يرى كما رأى من قبله الشهيد سيد قطب جزئيات هذا العالم الصغيرة تحركها يد قوية تجمع هذه الجزئيات والتفاصيل الصغيرة في تشابك وانسجام.
وكأن هذا المرتكز هو الداعم لفلسفة عبدالرحمن كلها، فليس العرفان هو ذلك النسق المعرفي الذي نراه سائداً والشائع بيننا وبين درويشنا !!، وإنما هو النضوج والاكتمال وأجلى درجاته تظهر في بلوغ العقل درجة الرؤية الموسعة للوجود كله. وهي نظرة كلية يرى فيها الرائي الكون غير مجزئ وغير منفصله أوصاله ولا مقطعة، وإنما يرى الرابط بينها جميعاً، يرى بعقله ويعمل ارداته، فلا العمل منقطع عن الفكر، ولا الغيب بمعزل عن العقل.
ونحن نرى أن التجربة الروحية التي مر بها المفكر العقلاني طه عبدالرحمن كان منعطفاً مهماً في حياته وهي التي أدت به إلى أحداث أنقلاب فكري في كينوته ومسيرته الفلسفية، ويرجع السبب في ذلك إلى نشأته الأولى في بيته والده، حيث يروى طه ذلك عن نفسه قائلاً : نشأت «في بيت جعله والدي، مدرسة ظل يشتغل فيها بتحفيظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية والمتون العلمية، وبتدريس أصول العقيدة وأحكام الفقه»([4])
ويؤكد طه في كتابه العمل الديني وتجديد العقل على أن اللقاء الذي جمع بينه وبين الولي الصالح كان سر في توسع مداركه وفهمه وانفتاح عقله على الكون يربط تفاصيله وأجزائه المتعارضة معاً بشكل كلي، فتصبح أكثر تناسقاً وانسجاماً وكأن هناك نغم يحركها ولا تخرج عنه قيد أنمله.
وهو يتحدث عن التجربة الروحية كيف كشفت له كل ذلك وأثرت عليه وفكت القيود عن فهمه وعقله ووجدانه فيقول «فضل التجربة الحية على العمل المجرد كفضل العمل على النظر المجرد»([5]).
والذي يتخيل طه مجرداً من الفلسفة فسوف يتخيله مريداً يتردد على المزارات ويحضر الحضرات والموالد ويردد الأذكار.
وقد أثارت هذه الظاهرة عدة إشكالات منها كيف يستقم لرجل المنطق (ذي تكوين منطقي تحليلي) أن يخلع عباءة المنطق ويرتدي بدلاً منها خرقة الصوفية وأهل العرفان؟ وهذا الاعتراض الممقّوت هو ما يقيمه أعداء المشروع الطاهائي على الدوام من أجل نسفه وتقويض دعائمه وتدمير بنيته التحتية ومسلماته الفرضية.
وحتى نتمكن من الرد على هذا النقد الذي يحاول إقبار المشروع الطاهائي في هذه الزاوية، يجب أن نعطى التجربة الروحية قيمتها وحقها داخل النسق الفكري الطاهائي، فبفضل التجربة الروحية التي خاض غمارها الفيلسوف توسعت مداركه العقلية، وبناء على ذلك يمكننا الإقرار بأن التجربة الحية هي التي أمدته بالتصور المفاهيمي والميتافيزيقي عن العقل ودرجاته. وقد عبر الفيلسوف بنفسه عن هذه المسألة قائلاً : «لقد كان لكتابي العمل الديني وتجديد العقل علاقة وطيدة بالتجربة الصوفية [...]، فقصدي الأول كان هو أن أبين كيف أن التجربة الروحية لا تتعارض أبداً مع المعرفة العقلية، بل إنها قد تكون سبباً من أسباب إثراء هذه المعرفة والتغلغل فيها».
فمنذ أن تولى طه التدريس بالجامعة أستاذاً للمنطق وفلسفة اللغة في السبعينات من القرن الماضي،  وهو يسعى إلى جعل المنطق في أطار الاشتغال الفلسفي، والاعتماد على أدواته، فليس للمتفلسف العربي حظاً ولا نصيب مع التفلسفي بغير الاعتداد بالعدة المنطقية، وهو من أجل هذه المهمة ناضل وجاهد مع أساتذة الجامعة القدامى. ونظراً لتوجهاته الإسلامية الصريحة في كتاباته ومقالاته وحواراته، فهناك من يعاديه وينتقده بحجة كيف يتفق لرجل المنطق الذي يدعو إلى الخروج من عباءة التبعية والتقليد أن يقوم هو بالتنكر لأفكاره وأن يتبع طريقة ومربي ويؤمن بهذه الترهات؟! وهذا الدعاوى الهاوية إنما جاءت من عقل به من العطب ما به، ومن نفس بها من الشح ما بها. فالذي يقول مثل هذا الكلام نسى أن الدكتور طه من أكابر المناطقة العرب في عصرنا الحالي، وإنه إلي جانب تخصصه في المنطقيات واللسانيات والفلسفيات، فهو أيضاً لديه تكوين روحي راقي، يضاف إلى ذلك تكوينه الأصيل في مضمار العلوم الشرعية خصوصاً علم أصول الفقه، وهذا ما جعله مفكراً أصيلاً، وعزز من مكانته العلمية والمنطقية والفلسفية والشرعية أيضاً.
وفي الختام نورد المقولة الشهيرة التي قالها طه عن شيخه وهو يحاضر في أحدى محاضرته، فقال : (العارف الرباني والأستاذ الكبير شيخي وسيدي الحاج حمزة بن العباس، جليل أفضائله علي لأنه بصرني بالحق الذي يدمغ الباطل، ومدني بنور القلب الذي يجلي ظلام الكون، وما ألقيه الساعة عليكم إن هو إلا قبس من نور التربية التي تلقيتها على يديه، وقطرة ارتشفتها من بحر معرفته).
وسواء كان هذا المدح جاء في أطار الاعتراف بالجميل أو إقراراً لحقيقة ما، فلا يمكننا تمرير الكلمات وما جاء بها مرور الكرام. فالكلمات والعبارات التي  وردت، لا تحتاج إلى استخدام آليات البحث والحفر الدقيق لإثبات أن صاحبها صوفي النزعة والانتماء لا تشوبه شائبة، يؤمن بما يؤمن به أهل الطريق من أفكار، ويترقى عنهم درجة في مراقى المعرفة، لأنه ينتقد ما لديهم من أغلاط وأوهام.
إعداد الباحث المشرقي
محمد أحمد الصغير


الهوامش :

1- لا نقصد بالولاية كما يتبادر إلى الذهن لدى بعض من لديهم اعوجاج وإنما أولياء الله هم عباده، قد تكون أنت ولي لله ما دمت تداوم على طاعته وتشهد بوحدانيته وتقر بربوبيته وقد يكون أشعث أغبر وله عند الله ما له من فضل، ولو أقسم على الله لأبره. الذي نقصده هو المعنى الصريح للآية الكريمة (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس آية: (62- 63)] فقد قرن الله ولايتهم له بمحبتهم فيه وجاهدهم لأنفسهم، وطه عبدالرحمن عبداً طائعاً  لله أرشده إلى هداه وألهمه تقواه ولا نزكي على الله أحداً، وإنما هذا رأينا في الرجل فيما رأيناه ولمسناه في أعماله الفكرية الداعية إلى مكارم الأخلاق وعلو الهمم.

2-  طه عبدالرحمن، الأصول اللغوية للفلسفة، مجلة دراسات فلسفية وأدبية الصادرة عن الجمعية الفلسفية بالمغرب، السلسلة الجديدة، العدد الأول، 1976 1977.  

3-  في أطار حديث الدكتور عبدالله الشارف عن تجربته الصوفية، فهو يبين أن من بين الأسباب هذا السبب في انتشار الإسلام الصوفي في أوربا/فرنسا.

4- د.طه عبدالرحمن ، «بين يدي التجربة الدينية الحية»، مقدمة كتاب العمل الديني وتجديد العقل، الرباط، منشورات بابل، الطبعة الأولى، 1989، ص2. وقد ألغيت هذه المقدمة من الطبعات التالية لهذه الكتاب، ومعها إلغي الإهداء الذي كان موجهاً لشيخ الطريقة الصوفية البوتشيشية.

5- د.طه عبدالرحمن ،المرجع السابق، ص27.



الاثنين، 25 نوفمبر 2013

تهافت الحداثة بين أبو حامد الغزالي والفيلسوف طه عبدالرحمن



بقلم الباحث: محمد أحمد الصغير

  سئل  طه يوما هل عاش التجربة العرفانية كما عاشها الغزالي

فقال:« لا يجمعني أنا وإياه إلا خوض غمارها؛ فلم أدخل فيها فارّاً ولا شاكّا كما دخل فيها؛ ذلك أن الغزالي فرّ إلى التصوف اضطرارا، بينما أقبلتُ عليه اختياراً.                     الدكتور / طه عبدالرحمن

************

بين تهافت الفلاسفة وتهافت الحداثة بان كبير، زمانياً ومكانياً، وإذا كان قديماً إبداع الأصولي العربي المشرقي أبو حامد الغزالي، كتابه «تهافت الفلاسفة» ليؤكد على قصوره في لبس عباءة الفلاسفة وعدم استطاعته الخروج منها، إلا بعد أنكارها ووصمها بالتهافت والسفه، وهذا ما دعى الفيلسوف المغربي القديم ابن رشد يبدع كتابه «تهافت التهافت» ليرد به على الدعاوي والانتقادات التي قدمها الغزالي القديم لدحض أفكار المتكلمين المتفلسفين وأظهار عوارها. وبغض النظر عن بيان القيمة النقدية لكلا العملين الإبداعيين القديمين، فإننا لسنا في أطار التقييم والنقد وإنما قصدنا بيان الشبه بين العنوان الذي أثاره الغزالي القديم، والمعنى الذي تناوله الغزالي الحديث أو من حق له اللقب عن جدارة، في كتابه روح الحداثة، والذي أبان فيه عن قدرة عقلية فلسفية جديرة بالتقدير، ليؤكد استطاعته دون أن يخلع عباءة الفلسفة، على نقدها وتقويض دعائمها من داخلها وباستخدام مصطلحاتها ومفرداتها التي هي وقف على أهلها. 

  وظاهرة التهافت في تراثنا العربي الإسلامي تؤخذ على محملين، المعني الأول التهافت من الإقبال بشدة، والتهافت بمعنى السفه والدنو، فيقال شخص تافه، أو شيء تافه، أي ليس له قيمة في ذاته.

أما المحمل الأخر الذي تحمل عليه الكلمة فيتناوله الدكتور عبارس أرحليه بالنقد قائلاً في كلمته: «ظاهرة التهافت على حداثة الفكر الغربي والتهالك عليها، والدخول إلى الحداثة تحت رايته، وبتأثير من توجيهاته. مع التعويل على ذلك الفكر في كل حركات الحياة. وهي فترة بلغ فيها المد العلماني منتهاه، وكشر فيها الإلحاد عن نابيه، وصار علامة على الرقي الفكري والموقف الثوري. وانفجرت فيها الكتابة حول مفاهيم الحداثة. وبدأ الإبداع العربي يتشكل وفق التقاليع النقدية في الغرب وأضحت فيها المناهج سُحُباً عابرة، يجتمع حولها الناس ثم ينفضون  في انتظار ما تجود به قرائح غيرهم. ولعل أهم ما أثار د. طه عبدالرحمن في مشروعه ما لاحظه من طغيان التقليد في حركة الحياة في عالم الإسلام، وما لامسه من تأثيرات الفكر الفلسفي الغربي في مسار الفكر الإسلامي العربي المعاصر. ورأى أن المنتسبين إلى ملته قد تقطعت بهم الأسباب فانقطعوا عن قيمهم وصاروا قُطعاناً يزحفون على أرض جرداء.

والواقع أن كثيرا من المفكرين العرب تعاملوا مع الفكر الغربي باعتباره النموذج للفكر العلمي، وسعوا بكل الوسائل إلى إقناع بني جلدتهم بهذه الفكرة. وظلوا يضعون الحواشي تلو الحواشي  على مجموعة كتب ومقالات شكلت لديهم مرجعية الحداثة»([1]).


وعلى هذا يمكن الجزم بأن تهافت الحداثة الذي أبانه المفكر المغربي في كتابه روح الحداثة، وحاول باستخدام المنهجية العلمية نقد وتقويض دعائم هذا الصرح الشاهق الذي أقامه العقل الغربي، ليدلل ويؤكد على مركزيته وتعاليه على ما عداه من ثقافات أخرى، ضاربه في عمق التاريخ الإنساني، وأبدعت أفكاراً أكثر نضجاً وجدارة من أفكاره المادية الخربة، وأكدت على ديموميتها واستمراريتها وبقائها من خلال إبداعات حضاراتها القديمة وليس أدل على ذلك من الميراث الفكري والإبداعي للحضارة العربية الإسلامية، الذي تكفل بالحفاظ على الأرث الإنساني للفكرانية، من خلال ترجماته وشروحاته العديدة.

ويرى الدكتور عباس أرحيله المشروع الطاهوي آتي ليعزز هذه النظرة الأصيلة التكاملية إلى تراثنا ونقد الحداثة وفق منهجية منطقية اعتمدها تعيد الثقة والوثوق بالحضارة العربية والعلم العربي وسائر مخرجات العقلية العربية الإسلامية. «ما هو جدير بالتقدير في مشروع د. طه عبد الرحمن أنه اجتهد في كل ما ذهب إليه، وأنه أعاد النظر في واقع التفكير عند المسلمين والعرب، كما أعاد النظر في مقومات الحضارة الغربية، وغايته رفع الحجر عن أمة الإسلام. وقد عمل على استنباط روح الحداثة من مجاله التداولي الإسلامي، وظل رافضا لكل ما يتنافى مع الوحي الذي تقوم عليه حضارة الإسلام. والخلاف الجوهري بينه وبين أصحاب المناهج الحديثة أنهم غَيَّبوا الغيب من مشاريعهم، وغَيَّبوا عقولهم في المجال التداولي الغربي، وفصلوا ما بين العلم والعمل؛ فكانوا ما كانوا. فلا غرابة أن يُصبح اليوم  معلمة فكرية، ورمزا من رموز الإبداع في العالم الإسلامي.ويظل د. طه يتقد إيمانا، وينهمر إبداعاً، ويزداد عزة وشموخا، ويؤسس لروح حداثة إسلامية؛ تُحرر المسلمين من إسار التبعية، وتكشف لهم مكامن العزة في دينهم، وتعلمهم كيفية التفكير في حياتهم بأنفسهم. فهو القائل: لا استقلال للمسلمين ما لم يقتحموا التفكير بأنفسهم»([2]).

وبرغم أن الغزالي الحديث صاحب روح الحداثة قام في ديار الغرب  ونهل من أفكارهم القديمة والحديثة إلا أنها في نهاية تجربته المعرفية تمرد على هذه الحضارة الغربية وواجهها بالحوار وبالتقويم. ولم يصيبه تكوينه الأول في ديار الغرب، واستفادته من فكره، قديمه وحديثه؛ بالخنوع والاستسلام، والانصياع لهولها وفتنتها، والسبب يعود في رأي الدكتور عباس إلى «أن تلك الحضارة لم تلتهم كيانه في لحظة التكوين، ولم يتضاءل أمامها، ولم ينخدع ببريقها، أو يتساقط أمام إغراءاتها، ويتصاغر أمام ادعاءاتها. فتجده يكشف عن ضلالاتها وأزماتها وآفاتها؛ وإنقاذاً للهائمين في عشقها، المتهالكين على بريقها، الواقعين في أحابيلها؛ يتصدى لتقويمها على مقتضى عقيدته الإسلامية، في لحظة يزداد فيها صلف المستكبرين في الأرض بغير حق ويتجرع فيها الذلة والمسكنة المنتمون إلى الإسلام، وتتمدد فيها خريطة أهل النفاق والخيانة والاستخذاء. فتزداد التبعية والتواكل والخذلان. وتُحاصر أفكار الشعوب بما يُبقي على مصالح الغرب ويضمن له الهيمنة على المعمور»([3]).

من أجل هذا الطرح المعتبر حق لهذا الفيلسوف أن ينال اللقب عن جدارة في أن يصبح غزالي عصرنا المعاصر، ليجدد النظر إلى الفكرانية والتراث، ويقدم نقده للحداثة بعد أن تهافت عليها مفكرينا العرب، ويبين تهافت دعائمها ومقوماتها التي نهضت ورسخت أقدامها من خلالها، مستعملاً في ذلك آلياته الإبداعية للمنطق والمنهجية البحثية الرصينة. فكان بحق غزالي حداثي امتاز عن الغزالي القديم بميزات عدة أهمها أنه إعاد الثقة بالفلسفة والفكرانية مرة أخرى بعد أصبحت مثار ريبة وشك لدى الأصوليين من أبناء الأمة الخلصاء.

ويأتي معنى قريب من هذا على لسان الدكتور طه عبدالرحمن في  نهاية كتابه اللسان والميزان أو التكوثر العقلي:«وإنما كان كلُّ هَمِّنا أن نبنيَ معرفةً نافعةً ونأتيَ عملاً صالحاً، والمعرفة نافعة عندنا ما أتت بجديد  ُثري العقل ويزيد في العلم، والعمل الصالح عندنا ما فتح طريقاً يُفيد الغيرَ والآجلً كما يُفيد الذات والعاجلَ»([4]).

وكما انتقد الغزالي القديم، أريب عقله وزمانه، ابن رشد، تعرض أيضاً د.طه ومشروعه إلى النقد، «فظهرت كتابات معادية قليلة، همها طمس هذا المشروع بنفي الأصالة عن صاحبه، ورميه باتهامات تتنافى مع نزاهة الفكر العلمي الموضوعي، وتنم عن مشاعر تحمل عداء وحقدا. وفي مجمل كتبه ردود على منتقديه، كقوله لهم، على سبيل المثال، في خاتمة الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري؛ إن انتقاداتهم لم تصدر عمن اشتغلوا «بصناعة التنظير على أصولها؛ فإذا هم وجدوا من بني جلدتهم من يسعى أن يدلهم على طريق هذه الصناعة أو يضع لهم بعضَ معالمها، اتهموه بكثرة التفريع أو إرادة التعقيد، أو، إذا تكرموا عليه، نسبوا طريقته إلى الاحتراف البيداغوجي، وهم في ذلك لا يُفرقون بين مقتضيات البناء ومقتضيات الإلقاء»([5]).

وختاماً نقول كما قال المفكر المغربي عباس أرحيله عن د.طه عبدالرحمن؛ فحين قرأ ثقافة الغرب ازداد معرفة بحقيقة تراثه، وزاده علمه إيماناً ويقينا، ومنحه عزة نفس تأبى عليه أن يمتهن كرامته في التقلبات الفكرية بدعوى التفاعل مع المناهج الحديثة. فقد وجد أن مكمن الخطأ في مقلدة العصر من متفلسفتنا ومفكرينا يتجلى في تقلباتهم الفكرية في كل الاتجاهات، وفي اندفاعهم([6])» «في تقليد فلاسفة الغرب الذين يصدرون في إنشاء أفكارهم عن أسباب لا وجود لها عندنا»([7]).

محمد أحمد الصغير – باحث مصري

الكويت 20/3/2013

Moahmedelsagher@hotmail.com


  الهوامش :

1.   مقتطف من الكلمة التي ألقاه الدكتور عباس أرحليه ، يوم 11 مارس 2006 بمقر   منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين- بعنوان«نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن». ص
2.    المرجع السابق. ص44
3.    المرجع السابق. ص32.  
4.     اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، د.طه عبدالرحمن - ص 406.
5.    مقطع من كلمة الدكتور عباس أرحيله مرجع سابق ص38. 
6.    مقطع من كلمة الدكتور عباس أرحيله مرجع سابق ص30. 
7.    حوارات من أجل المستقبل ( ضمن : قضايا إسلامية معاصرة)، ص 137










عقلانية الحداثة المؤيدة عند المفكر طه عبدالرحمن



بقلم الباحث: محمد أحمد الصغير
تمهيد
لا يمكننا تقديم التفكيك والتقويض الذي قام به الدكتور طه عبدالرحمن للحداثة الغربية، بغير تقديم نقده للعقل والعقلانية السائدة. فكل من يتناول الحداثة لا يمكنه بشكل أو بأخر أن يتغافل العقلانية والعكس. حتى أن حضور أحد المصطلحين يستدعي حضور الأخر بالضرورة([1])، وذلك بسبب العلاقة الوطيدة  بينهما. 

وما دام العقل هو المجال الذي يتحرك فيه الخطاب الحداثي بكل مستتبعاته وإشكالاته، فإن العقلانية تمثل بذلك مفتاح الحداثة وروح الإنسان المعاصر. حتى قيل: الحداثة العقلانية، أو عقلانية الحداثة.
وقبل أن نقوم بتقديم نموذج الحداثة «الإسلامية» البديلة، التي أرسى دعائمها الفيلسوف طه عبدالرحمن، بعد أن تولى باستخدام آليتي التفكيك والتركيب الذان هما أساس منهجيته، تقويض دعائم نموذج الحداثة الغربية السائدة، متسلحاً في ذلك بتحديد دقيق لماهية العقل والعقلانية ودرجاتها. هذا التحديد الدقيق الذي جادت به ذهنية المنطقية هو ما ساعده في عمليتي الهدم والبناء، ليقدم لنا بعد ذلك مشروع فلسفي قائم على الإبداع والاستقلال والخروج من عباءة التبعية والتقليد.  
العقل والعقلانية المتكوثرة
لو شئنا أن نختزل المشروع الفكري لطه عبدالرحمن لرددناه إلى العقلانية «فقد استوفي هذا المشروع العقلانية من جهة دفاعه المستميت عن توسيع العقل وعدم تضييع آفاقه، كما دعا إلى ربطه بالجانب العملي وتقييده بالغايات والمقاصد السامية» ([2]). ولا غرابة بعد ذلك أن نجد النقد الأخلاقي يطال العقل ويطال الممارسة العقلانية. 

يقدم لنا د.طه مفهوماً «منحوتاً» واضحاً عن العقل، يعلن به رفضه التام للنزعة التجزيئية التي سادت الفلسفة الغربية، ويبين فيه صفاته الجوهرية «المتكوثرة»([3]) ودرجاته العقلانية المتفاضلة، معتمد في كل ذلك على نحته وحفره الخاص واشتقاقاته اللغوية المبدعة.
والعقل عند د.طه يعتبر مجرد فاعلية وليس ذاتاً  قائمة بنفسها أو جوهراً مستقلاً «والمقصود بذلك أن العقل لا يقيم على حال، وإنما يتجدد على الدوام ويتقلب بغير انقطاع، فعلى خلاف ما ساد ويسود به الاعتقاد الموروث عن اليونان([4])، ليس العقل جوهراً مستقلاً قائماً بنفس الإنسان، وإنما هو أصلاً فاعلية، وحق الفاعلية أن تتغير على الدوام، نظراً لأن مقتضى الفعل أن يفعل، وكل ما يفعل يوجد بوجود أثره وينتفي بانتفائه، وليس العقل فاعلية فحسب، بل هو أسمي الفاعليات الإنسانية وأقواها، وحق الفاعلية الأسمي والأقوى أن تتغير على مقتضى الزيادة وأن تبقى على هذه الزيادة ما بقى العاقل»([5]).
وقد عارض الدكتور طه بشدة مفهوم العقل الأرسطي الذي أصبح العقل بمقتضاه جوهراً قائماً بذاته في الإنسان، ومكتفياً ومستغنياً عن غيره، ويستخدم لتحصيل المعرفة وبلوغ الحقيقة واليقين، وفق مبادئ الفكر الأساسية (مبادئ العقل الأولية) ([6]). وجاء معارضته قائمة على أساس مفهوم الفاعلية التي قال بها. وزاد على هذه الفاعلية مفهوم أخرى أطلق عليه «التكوثر العقلي».   
ويرى د.طه أن الأزمة التي أحدثها التعريف الأرسطي الجامد للعقل بدءت مع  حركة الترجمة التقليدية في تاريخ الفكر الإسلامي، فنقلت هذه الترجمات عن الفلسفة اليونانية دون تمحيص أو نقد إشكالية العقل بثقلها إلى قلب الفلسفة الإسلامية التي تبني بعض مفكريها النظرية الأرسطية -كابن سينا([7]) والفارابي وابن رشد وغيرهم- في القول بجوهرية العقل، وبدأت عملية التداولي المفاهيمي لهذا المفهوم الغير أصيل في ثقافتنا العربية.
وفي سياق نقده للعقلانية الأرسطية وكل من أخذ بها من المتكلمين والفلاسفة الإسلاميين، يرى د.طه أن أرسطو جعل من العقل جوهراً قائماً بذاته، والحقيقة غير ذلك، فهذا الفهم للعقل منقوص ولا نجده في أي نص من النصوص الدينية، وكل ما نجده هو أن العقل فعل من الأفعال التي يقوم بها الإنسان، ولا فرق بينه وبين باقي الملكات الأخرى، فيقول: «إن العقل يدخل في باقي الأفعال الإنسانية، فمثلاً، المبصر يبصر وهو يعقل في بصره، والسامع يسمع وهو يعقل في سمعه، والعامل يعمل وهو يعقل في عمله»([8]).
وما دام العقل فعل من الأفعال، فلابد له من ذات حاملة لهذا الفعل، هذا الذات يقرر طه بأنها القلب، فيكون القلب هو الذي يختص بالفعل العقلي، ويكون العقل هو فعلاً من أفعال القلب، فكما أن للسمع أداته الحاملة وهي الأذن، وللبصر أداته الحاملة وهي العين، فإن للعقل أداته الحاملة وهي القلب، والقلب قوة لا تبقى على حال، حيث إنه دائم التحول والتقلب، وإذا ما الحامل متقلباً ومتحولاً من حال إلى حال، فشأن المحمول أن يتبعه في تقلبه وتحوله، وهو العقل أي الفعل. هنا ينتقل الدكتور طه للحديث عن العقل «المتكوثر»، وينحت مفهوم غاية في الدقة، يستحدثه من العدم!.
والعقل المتكوثر هو ا لذي يبقى على حال التقلب والتشعب، طلباً لخير العاقل في العاجل أو الآجل. ويأتي قول الدكتور طه ليؤكد ذلك فيقول:«الأصل في العقل هو الكثرة وليس الوحدة كما يعتقد عامة الناس وخاصتهم، فالتكوثر يجلب للعاقل ما فيه ظهور إنسانيته وارتقاؤها في مراتب متفاوته، حتى تشرف على أفق الكمال العقلي. فالعقل إذن يتكوثر من أجل جلب المنفعة لصاحبه آجلاً أم عاجلاً، أما العقل الذي يجلب المضرة له فهو العقل المتقلل، أي الواحد الذي لا يتغير»([9]).
وتعدد فاعليات العقل هي ما دعت الفيلسوف لنحت هذا الاشتقاق اللغوي والاصطلاحي الجديد على ثقافتنا الفلسفية، وهذا ليس بمستغرب على أستاذ اللسانيات. والعقل عنده لا يقيم على حال وإنما يتجدد ويتغير باستمرار ودون انقطاع. فهو في صيرورة وتجدد دائم.
وهذا المعنى يتضح أكثر إذا نحن استعارنا عبارات الفلسفة المعاصر، التي تؤكد على التعدد المعرفي وتنوع الإدراكات العقلية للمرء، ناهيك عن تعدد الخطابات المعرفية، الصادرة (من/إلى) العقل.
«لقد أصبحت هذه الحقيقة مشهودة في فلسفة العلم المعاصر، وفي فلسفة المنطق، وفي الفلسفات عموماً، فقد ثبت أن العقل الإنساني يكاد لا يصار إلى إدراكه إلا في مظاهر متشعبة بقدر تشعب الوسائل الإدراكية والمعرفية في مجالات اشتغاله، غير أن ما نظفر به من جديد في فلسفة العقل المتكوثر عند طه عبدالرحمن هو مجاوزة دعاوي التعدد المعرفي والتراكم المعرفي والتوليد النحوي والتعدد الصوتي. وتتبدي لنا المجاوزة في اعتبار حقيقة التكوثر العقلي تعمر مجالات اشتغال الفكر وتخترق نطاقاته فتتجلي في المعرفة العلمية كما تتجلي في الخطاب الطبيعي. وقد لاحق طه عبدالرحمن هذه التجليات لفاعلية العقل فألفاها تتعدى التعدد والتراكم والتوليد، فبني على هذه الحققة دعوى التكوثر العقلي .


وقد جعل متعلق التكوثر بصفاته الجوهرية الثلاثة هي عنوان العقل الواسع بوصفه:
-    فاعلية للتكوثر (فعل عقلي): وتفيد هذه الصفة أن مقتضى الفعل أن يفعل، غير أن فعل العقل ليس فاعلية كسائر الفاعليات بل هو أسمي الفاعليات الإنسانية وأقواها وحق الفاعلية الأسمي، أن تبقى على هذه الزيادة ما بقى العاقل.
-    قصدية للتكوثر (فعل قصدي): ومن هنا فإن الفاعلية القصدية توجه، ولا يكون هذا التوجه (ذاتاً) بل علاقة إما أن تدعو إلى مقابلها مثلاً فتكون علاقة تزواج يثمر ما ليس في الزوجين على حال الانفراد، أو مقابلها ضداً فتكون علاقة تناظر يثمر ما ليس في المتناظرين على حال الانفراد، وعلى هذا الأساس يكون التزواج والتناظر سبيلين للتكثر الصريح. ولما كان التكوثر فعلاً قصدياً لزم أن يكون على قدر من القوة والاتساع والرسوخ والبعد، ما يجعله ينفذ ويتقلب فلا يتصف بالقصور والجمود.
-    منفعية للتكوثر (فعل نفعي): لما كان التكوثر فعلاً عقلياً هو أسمي الفاعليات الإنسانية، ولما كان فعلاً قصدياً فإنه لا محالة يصار إلى اعتباره فعلاً نفعياً يحفظ السمو ويصون التوجه المثمر. وبهذا يكون التكوثر نافعاً بالمعني الذي يفيد تعدية العاقل إلى من سواه.
تلك هي الصفات الجوهرية للتكوثر العقلي، وهي تطوي رؤية عميقة لفاعلية العقل تتجسد جدتها في الإقرار بالاختلاف الذي يقود إلى تقويض أسطورة العقل الأرسطي، غير أن الاختلاف هنا يتخذ وجهة تحتفظ بالتكوثر العقلي الفاعل والقاصد والنافع، ولهذا جاوز طه عبدالرحمن دعاوي أقرب إلى التكوثر العقلي»([10]).
«وكبديل لمفهوم العقل، يطرح طه عبدالرحمن مفهوم الفعل أو العمل، كمبدأ لتحديد ماهية الإنسان. ومن المعلوم أن الفعل لم يرتبط بشيء قدر ارتباطه بالأخلاق، فيتحدد تبعاً لهذا أن التخلق يكون مقابلاً للتعقل، وعلى هذا الأساس تكون الأخلاقية هي الأصل الذي تتفرع عليه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانية التي تنسب إليه يجب أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي»([11]).
من العقلانية المجردة إلى العقلانية المؤيدة
بعد أن قدم الدكتور طه عبدالرحمن مفهومه حول العقل، الذي اعتبره فعل من أفعال القلب، يحاول أن يلفت انتباهنا إلى درجات العقلانية الثلاثة التي تناولها بالشرح والدراسة في كتابه القيم «العمل الديني وتجديد العقل».
وحتى يسهل علينا نقد الحداثة -من وجهة نظره- كان لابد أن نفهم الضمانة التي يقدمها، وهي ضمانة عقلية مغايرة، للمنهج العقلي الغربي([12]) السائد. ونقطة البدء في فلسفة طه سواء من ناحية تقويم التراث أو من ناحية نقد الحداثة أو تأسيس حداثة بديلة هي تحديده الدقيق لماهية العقل ودرجات العقلانية.
ويؤكد د.طه أن العقلانية ليست هناك عقلانية واحدة، وإنما هناك عقلانيات كثيرة، تتفاوت في رتبها ودرجاتها، وتتفاضل في غاياتها ومقاصدها، بحسب الفاعلية الصادرة من العقل ابتداء. وفي هذا المعنى يقول الدكتور طه: وقد «التبس الأمر على دعاة العقلانية من المحدثين، فظنوا أن العقلانية واحدة لا ثانية لها، وأن الإنسان يختص بها بوجه لا يشاركه فيه غيره، وليس الأمر كذلك، إذ العقلانية على قسمين كبيرين، فهناك العقلانية المجردة من الأخلاقية، وهذه يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك العقلانية المسددة الأخلاقية التي يختص بها دون سواه، وخطأ المحدثين أنهم حملوا العقلانية على المعنى الأول، وخصوا بها الإنسان»([13]).
وفي وجهة نظري أن تقسيمات د.طه لدرجات العقلانية، لعله قد  استقى فكرتها من القول السائد لدى الشاطبي بقوله بالعقل المستقل عن الدين والعقل التابع للدين. ففي رأيي أن الدكتور طه يرى في العقل المستقل عن الدين هو العقل النظري «التجريدي»، أما العقل التابع للدين فهو العقل العملي بشقيه : «المسدد» و «المؤيد». ولعل هذا التقسيم المنطقي للعقل جاء انطلاقاً من تفرقة الدكتور طه بين «النظر الملكي» و«النظر الملكوتي»، فالأول يتقوقع عند حدود الظواهر، بينما الآخر يؤسس العقل في حدود الإيمان والاعتقاد، وليس العكس كما قال كانط([14]) الذي وضع الإيمان في حدود العقل.
والعقل المجرد حسب تعريف الدكتور طه عبارة عن الفعل الذي يطلع به صاحبه على وجه من وجوه شيء ما، معتقداً في صدق هذا الفعل، ومستنداً في هذا التصديق إلى دليل معين». هذا العقل النظري المجرد هو الذي صب عليه الدكتور طه جام نقده وتفنيد دعواه. وبغض النظر عن الانتقادات([15]) التي وجهت من قبل بعض المتأملين لمفهوم العقل المجرد كما جادت به ذهنية الدكتور طه، فلقد أراد طه بنقده للعقل المجرد أن يفتت البنية التي قامت عليها الحداثة الغربية وثقافتها، وأن يفكك هذا العقل وبين قصوره ومحدودية. أما «العقل المسدد فعبارة عن الفعل الذي يبتغي به صاحبه جلب منفعة أو دفع مضرة، متوسلاً في ذلك بإقامة الأعمال التي فرضها الشرع»([16])، فالعقلانية المسددة بذلك تمثل البديل الممكن لمعالجة مشكلة حدود العقل المجرد إي هي عملية إكمال لهذا التجريد، وإعادة ربط العقل أو النظر المجرد بالعمل على مقتضى الشرع، «فالعقل المسدد هو إذا: العقل الذي اهتدى إلى معرفة المقاصد النافعة»([17]). وقد حدد الدكتور طه عبدالرحمن ثلاثة شروط أساسية يجب توافرها في العقل المسدد حتى يكون محل اعتبار، وهي:
أ- موافقة الشرع : فلا يمكن أن يكون العقل مسدداً في أفعاله ما لم يوافق الشرع. «والحق كل الحق أن المرء لو أتي من العمل ما أتي، ودر هذا العمل عليه أو على غيره من المنافع المزعومة ما در، فلا ثقة بهذا العمل ولا عبرة بمنافعه حتى ينظر كيف هو عند أمر الله ونهيه وحفظ أحكام الشرع الإسلامي»([18]). 
ب- اجتلاب المنفعة: «إن المنفعة الناتجة عن العمل الشرعي غير المنفعة، فهذه الأخيرة واقعة لا محالة في النقائص ولو تحرى فيها المرء ما تحرى، واتخذ من المثل غير الشرعية ما اتخذ»([19]).
ج- الدخول في الاشتغال : «حد الاشتغال بوجه عام هو الخروج من وصف النظر إلى وصف العمل، ومعلوم أن مفهوم الاشتغال قد هم القدامي كما هم المحدثين، ولكنه اكتسى عند هؤلاء مكانة متميزة حتى أصبح المعيار الذي يفزع إليه في كل شيء، وتواردت على هذا المفهوم أسماء مختلفة، مثل العمل، الشغل، الفعالية، النشاط، الإنتاجية، التطبيق، التقنية، وبالأخص الممارسة»([20]).
وهذا العقل المسدد الذي قوامه العمل في مقابل النظر في العقل المجرد، هو عرضه لآفتين هما: (آفة التظاهر وآفة التقليد).
ولما كان هذا العقل هو أكثر عرضة للآفات التي يمكن أن تَعلَق به وتقلل وتنقص من كماله، فقد وجد ضرورة  الإرتقاء إلى درجة أعلى منه وهو منزلة التأييد أو «العقل المؤيد»، وهو عند الدكتور طه أعلى مراتب الفاعلية العقلية.
 وبذلك يمكننا أن نقول أن العقل المجرد يطلب أن يعقل الأشياء من خلال أوصافها الظاهرة «رسومها»، بينما العقل المسدد يطلب أن يعقل الأشياء من خلال أفعالها الخارجية «أعمالها» أما العقل المؤيد فيطلب أن يعقل من الأشياء «ذواتها»، أي الأوصاف الباطنية والأفعال الداخلية للأشياء، بالإضافة إلى «رسومها وأعمالها».
بعد أن قمنا بدراسة مفهوم العقل عند د.طه ودرجات العقلانية التي قدمها. يمكننا الآن أن نواصل نقده الأخلاقي للحداثة الغربية، والتي انتقل بعده إلى التنظير والتأسيس لحداثة إسلامية بديلة.
العقلانية المؤيدة ونقد الحداثة
العقل الكامل هو العقل القادر على النقد والإبداع، الهدم والبناء، الإحلال والتجديد، هو عقل يملك فاعلية وقدرة على أن يجمع الأجزاء المتناثرة في أطار عام يضمن لها التكامل والترابط والفاعلية القويمة، هذا العقل الكامل الذي  لديه آلية منهجية في الطرح والإزاحة والاستبدال ، يكون لديه إيضاً قدرة على التنظير والإبداع والخلق وإعادة البناء من جديد.
وعندما يبلغ العقل كماله، يصبح غير متنافي مع الغيب،قابلاً له. ويكون قادر على تقديم نموذج نقدي تحليلي يعتمد آلية التفكيك والتركيب في تقويض الدعائم التي قامت وازدهرت عليها الحداثة الغريبة.
من هنا جاءت العقلانية المؤيدة التي جوهرها العمل الأخلاقي في أعلى درجاته رقياً وسمواً «تتطلع دائماً- إلي ربط العمل بالنظر، والقول بالفعل، والغيب بالعقل، والقيم بالعلم، والشاهد بالغائب، لتبدع بعد ذلك حداثة مؤيدة أيقن وأعقل وأكمل، وهي بذلك تمثل روح مبادئ الحداثة الإسلامية البديلة»([21])، وروح الدين معاً.
واعتماد تشكيل العقل (العربي الإسلامي) الحديث (والمعاصر على السواء) على الأخلاق بشكل أساسي وفاعل، يتيح لهذا العقل أن يتكامل ويتفاعل بأريحية مع الواقع ويبدع أنساقاً فلسفية ومعرفية قادرة على التصدي والصمود والمواجهة الحاسمة للمضامين الحداثية التي تلوح في الأفق -العربي والإسلامي- بمزيد من الفوضى والعبثية والانفلات من سائر القيم الأخلاقية التي تشكل جوهر هويتنا وقوميتنا الإنسانية. فالأخلاق هي المحدد الاساسي وليس الوحيد لماهية الإنسان المعاصر.  
وللدكتور طه عبدالرحمن كتابين هامين في هذا السياق؛ كتاب صدر عام 2000 يحمل عنوانه مضمونه وهو؛ «سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية»، وفيه تعرض بالنقد لدعائم الحداثة الغربية ومظاهرها. والكتاب الآخر يحمل عنوان «روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية»، فهو استكمال للمشروع/الكتاب الأول الذي بدأه المفكر المغربي مساهمة منه في إثراء الفكر العربي والإسلامي. 
فمن النقد الأخلاقي للحداثة الغربية في نموذجها الأشهر «نموذج الحداثة الأمريكية» إلى محاولة التأصيل لحداثة إسلامية ناهضة. ضمانة قيامها، فاعلية الأخلاق([22]) وتكاملها لدى الإنسان العاقل العامل.
وما يلفت النظر في كتاب (روح الحداثة) الذي قسمه المؤلف إلى مدخل تنظيري عام بعنوان (روح الحداثة وحق الإبداع)، وثلاثة أبواب هي : التطبيق الإسلامي لمبدأ النقد الحداثي التطبيق الإسلامي لمبدأ الرشد الحداثي التطبيق الإسلامي لمبدأ الشمول الحداثي، هو اعتماد الدكتور طه عبدالرحمن على منهجية تحليلية تركيبية رصينة للتنظير لمفهوم الحداثة الإسلامية بعد أن استطاعت في كتابه سؤال الأخلاق مجابهة الفكر الحداثي الغربي، وتقويض دعائمه دون الوقوع في آفتي التقليد والتبعية، الذان يحدان من فاعلية العقل وقدرته على السير في درب النقد المبدع لإجل استحداث الجديد.
وقبل أن نقدم الرؤية الحداثية الجديدة التي أبدعتها العقلانية المؤيدة، نرى ضرورة أن نمهد لذلك بتقديم التعريفات العديدة لمفهوم الحداثة الغربية التي صاغها العقل الغربي ممثلاً في فلاسفته ومفكريه، والتي جاءت في عبارات ملتبسة وتعاريف عديدة تدل على عدم وجود اتفاق أو انسجام حول مفهوم الحداثة لدى العقل الغربي([23]) نفسه، «فمن قائل إن الحداثة هي النهوض بأسباب العقل والتقدم والتحرر، ومن قائل إنها ممارسة السيادات الثلاثة عن طريق العلم والتقنية: السيادة على الطبيعة والسيادة على المجتمع والسيادة على الذات، بل نجد منهم من يقصرها على صفة واحدة، فيقول إنها قطع الصلة بالتراث، أو إنها طلب الجديد أو إنها محو القدسية من العالم أو إنها العقلنة أو إنها الديمقراطية أو إنها حقوق الإنسان أو قطع الصلة بالدين أو إنها العلمانية، وأما هذا التعدد والتردد في تعاريف الحداثة، لا عجب أن يقال كذلك إنها مشروع غير مكتمل»([24])، على حد تعبير يورغن هابرماس Jurgen Habermas. «والملاحظ أن هذه التعاريف على اختلاف قوة إحاطتها بمفهوم الحداثة، تقع في تهويل هذا المفهوم حتى تبدو الحداثة وكأنها كائن تاريخي عجيب يتصرف في الأحياء والأشياء كلها تصرف الإله القادر، بحيث لا راد لقدره، والحال أن هذا التصور للحدثة تصور غير حداثي، لأنه ينقل الحداثة من رتبة مفهوم عقلي إجرائي إلى رتبة شيء وهمي مقدس، لذلك يتعين أن نبدأ بالتخلص من هذا التَّشيييء الذي أدخلته هذه التعاريف على مفهوم الحداثة، والسبيل إلى ذلك هو أن نفرق في الحداثة بين جانبين اثنين هما: (روح الحداثة) و(واقع الحداثة)» ([25]).
وكما هو واضح أن العقلانية المؤيدة كما أرسى مبادئها الدكتور طه تفرق بين جانبين مهمين في الحداثة (روح الحداثة) و (واقع الحداثة) وهذه التفرقة حتى يدرك العقل العربي المجرد مدى خلطه للأشياء، والتراكيب والمصطلحات التي نقلها كما هي، دون نقد أو تمحيص، بينما العقل الكامل (المؤيد) تولى عملية الانتقاد والهدم والتقويض، حتى يصل إلى جوهر الحداثة وروحها التي هي تختلف اختلافاً كبيراً عن واقعها.
و«روح الحداثة هي جملة القيم والمبادئ القادرة على النهوض بالوجود الحضاري للإنسان في أي زمان وأي مكان، أما واقع الحداثة فهو تحقق القيم والمبادئ في زمان مخصوص ومكان مخصوص، وبالطبع فإن هذه التحققات سوف تختلف باختلاف الظروف الزمكانية. يترتب على هذا التمييز نتائج من بينها: أن الحداثة ليست تطبيقاً واحداً، بل تطبيقات متعددة باعتبارها روحاً لا تتجلى في مظهر واحد، فهذه الروح عبارة عن جملة من المبادئ ومعلوم أن المبدأ لا يستنفذه أبداً تطبيق واحد، إذ هو بمنزلة القاعدة العامة التي تجري على حالات مختلفة. وأيضاً التفاوت بين واقع الحداثة وروحها، فهذا الواقع الذي يجسده التطبيق الغربي للحداثة ما هو إلا وجه من وجوه التطبيقات الممكنة لهذه الروح، وبالتالي فإن الواقع الحداثي غير الروح الحداثية تبعاً لخصوصية المجتمع الذي يطبقها»([26]).
وكما فرق العقل المؤيد بين «واقع الحداثة » و«روح الحداثة» -التي هي المبدأ والنموذج([27]) الذي يجب أن يحتذى-، فإنه أي العقلانية المؤيدة- وضعت تعريفاً واضح المعالم للحداثة يعتمد على مقولة الإبداع ابتداء  فالحداثة لا تكون إلا ابداعاً، ولو عرفت تعريفاً جامعاً لقيل أنها الإبداع، وندخل في الإبداع ما نشاء من الكلمات المماثلة كالابتكار، الاجتهاد، الاختراع، فروع الحداثة لا تنال إلا عن طريق الإبداع.
هكذا يؤكد الدكتور طه على الإبداع الذي هو مضاد للتقليد الذي ساد عقول مفكرينا، فاضحت العقلانية العربية المعاصرة([28]) تفكر على وحي الطريقة الفلسفية الغربية التي لها ظروفها الخاصة ومبادئها التي تتحكم في عقلانيتها.  
«أنظر كيف أن المتفلسفة العرب المعاصرين يؤولون إذا أول غيرهم، ويحفرون إذا حفر ويفككون إذا فك، سواء أصاب في ذلك أم اخطأ، وقد كانوا منذ زمن غير بعيد توماويين أو وجوديين أو شخصانيين أو ماديين أو جدليين مثله سواء بسواء، كما لو أن أرض الفكر لم تكن واسعة فيتفسحوا فيها، وقد ينقلب الواحد منهم بين هذه المنازع المتباينة من غير أن يجد غضاضة في ذلك بحجة أن ينهض بواجب الانخراط في الحداثة العالمية، أو أن ينهض بواجب الاستجابة للشمولية الفلسفية»([29]).
والعقلانية المؤيدة ليست قادرة فقط على توجيه النقد إلى الحداثة الغربية وإنما يمكنها أيضاً تأسيس حداثة إسلامية كبديل لهذا الاغتراب الحداثي، وما دام العقل المؤيد هو أجلى مظهر للتعقل لاكتماله ولقدرته على الجمع بين النظر والعمل والتجربة في آن واحد بعكس العقل المجرد الذي غايته إدراك الصفات أو العقل المسدد الذي هدفه بلوغ الأفعال، فامتاز هذا العقل المؤيد بالجمع بين النظر والعمل من جهة والتجربة الروحانية من جهة أخرى، كل ذلك في بوتقة واحدة هي دليل اكتماله وكماله.
«ولدفع شبهة التقليد عن الفكر العربي الإسلامي، وتحقيق شرط الاستقلال في القول الفلسفي المبدع، نادي د.طه عبدالرحمن إلى ضرورة التحرر من الحداثة الوافدة، وتحقيق الحداثة المبدعة الأصلية، أي الخروج من واقع الحداثة في تطبيقاتها الغربية المشهودة إلى روح الحداثة في قيمها الإنسانية ذات الاحتمالات التطبيقية اللامحدودة. وبناء على هذا فإن د.طه عبدالرحمن يؤكد على أن روح الحداثة التي يفترض أن واقع الحداثة يطبقها أو يحققها، تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية هي :
-    مبدأ النقد: وهو الذي يخرج الحداثي من حال الاعتقاد إلى حال الانتقاد، وهو بدوره يقوم على ركنين أساسين هما (التعقيل/والتفصيل والتفريق).
-    مبدأ الرشد : وهو الذي يخرج الحداثي من القصور واختيار التبعية للغير بمختلف صورها إلى الرشد ويقوم بدوره على ركنين أساسيين هما (الاستقلال وقوة الذات/والإبداع في الأفكار والأقوال والأفعال).
-    مبدأ الشمول : وهو الذي يخرج صاحبه من الخصوص المجالي والمجتمعي إلى دائرة الشمول، وهو بدوره ينبني على ركنين أساسين هما (الامتداد أو التوسع/والتعميم) »([30]).
وبناء على ذلك يمكننا القول أن «خصائص الروح الحداثية إذن هي أنها روح ناقدة وراشدة وشاملة»([31]).
بعد هذا العرض الموجز لمبادئ روح الحداثة، يرى الدكتور طه حق العرب في الاختلاف والإبداع الحداثي، حتى يمكن الخروج من عباءة التبعية والتقليد إلى مرحلة الإبداع الحداثي وفق مبادئ روح الحداثة، وحتى تحصل لدينا نحن العرب المسلمين ما يمكن تسميته بالحداثة المؤيدة أو عقلانية الحداثة المؤيدة.
محمد أحمد الصغير – باحث مشرقي
الكويت 21/3/2013




الهوامش : 
1.      يورغن هابرماس Jurgen Habermas هو قائل العبارة، هو فيلسوف ألماني حداثي ينتمي إلي مدرسة فرنكفورت الشهيرة في نقد الحداثة الغربية.
2.      طه عبدالرحمن، قراءة في مشروعه الفكري ، د.إبراهيم مشروح، ص53.
3.    المتكوثرة من التكوثر ويقابلها العديد من النظائر المشتقة منه، مثل: التكاثر، التكثر، الإكثار، الاستكثار، وكلها تفيد النفع والضرر في الوقت نفسه (التكثير النافع والتكثير الضار). بينما التكوثر لا يكون إلا في ما يفيد، ولا تكوثر فيما يضر، والتكوثر العقلي هو مصطلح صاغة د.طه عبدالرحمن سيأتي بيانه.
4.      يعرف أرسطو (384-322 ق.م) العقل تعريفاً جامعاً فيقول : «أعني بالعقل ما تتفكر به النفس وتعقل المعاني»، وهناك تعريف آخر للعقل عند أرسطو يقول : «العقل قوة إلهية، أو أكثر ما فيها ألوهية، له المحل الأول بين قوانا، يتعقل الأمور الجميلة الإلهية، وتعقُّله هو السعادة القصوى».
انظر : أرسطو، كتاب النفس، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني، راجعه عن اليونانية جورج شحاته قنواتي، عيسى البابي الحلبي، مكتبة النهضة، القاهرة، ط2، 1949، ص108، وانظر أيضاً: يوسف كرم، العقل والوجود، دار المعارف، القاهرة، 1964، ص1.
5.      د.طه عبدالرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1998م، ص22. 
  1. كمبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض، ومبدأ الثالث المرفوع، فهذه المبادئ هي التي تنظم أفعال العقل، وتنسق المعرفة وتضمن الصدق في الأحكام والتناسق المنطقي تبعاً لوجهة النظر الأرسطية.
  2. وهذا ابن سينا أحد القائلين بالعقل الفعال تأثراً بفلسفة أرسطو يقدم تعريفاً للعقل لا يخرج في محتواه عن الجوهرية الأرسطية التي قال بها المعلم الأول، فيقول الشيخ الرئيس: «إن هذا الجوهر الذي هو العقل هو جوهر مجرد عن المادة بالذات، وبالعلاقة العقلية، ومن كل جهة» فهو أي العقل- ماهية صورةية مجردة عن المادة، أو أن شئت قل ماهية كلية مجردة، وهذا ما نجده عند أصحاب الفلسفة المشائية القائلين بالعقل الفعال أيضاً. (انظر: ابن سينا، في أحوال النفس، تحقيق محمد فؤاد الأهواني، دار إحياء الكتب العربية، مصر، 1952، ص112) .
8.        د.طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق، مصدر سابق، ص63.  
9.        د.طه عبدالرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، مرجع سابق، ص21.
10. بتصريف من كتاب : طه عبدالرحمن، قراءة في مشروعه الفكري ، د.إبراهيم مشروح، ص75-76، وانظر أيضاً: د.طه عبدالرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، مرجع سابق، ص21.
11.  موقف طه عبدالرحمن من الحداثة، عبدالسلام بو زبرة ص99-100.
12. العقلانية الديكارتية، نسبة إلى رينيه ديكارت (1596-1650) الفيلسوف الفرنسي العقلي. وقد انتقدها الدكتور طه عبدالرحمن من حيث الوظيفة والعملية، وسمها بالعقلانية الأداتية (والعقل الأداتي) وهي قائمة على مبدأ أنه لابد من إيجاد الوسيلة المناسبة للغاية، حتى أن هذه الغاية بدورها تتحول إلى وسيلة لغاية أخرى وهكذا وهذا ربط إجرائي لا يستجيب لشرط النفع في المقاصد والنجوع في الوسائل، بعكس التصور الإسلامي الذي له ربط إجرائي من نوع آخر مختلف تماماً، حيث إنه يربط بين الوسيلة والقيمة، فيربط الأسباب بالقيم.  
13.  د.طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق –مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط2006، ص14. 
14. قام الفيلسوف الإنجليزي إيمانويل كانط (1742 - 1804) بنقد العقل البشري، وامتحن قدرته على المعرفة أو بالأحرى قدرته على الوصول إلى الحقيقية الغيبية الميتافيزيقية، ووجد أن هذا العقل قاصر عن بلوغ مثل هذه الحقائق، وجاءت تفرقة بين عالم الظواهر وعالم الأشياء في ذاتها تأكيداً لذلك فالأولى تدرك بالتجربة والثانية حقائق متعالية كامنة وراء الواقع، وبرغم قيمة الفكر الكانطي العقلي المثالي  إلا أنه وقع في مأزق عندما جعل الدين ضمن حدود العقل، والأصح أن يوضع العقل ضمن حدود الدين كما يرى الدكتور طه في نقده لكانط.
15. هناك مجموعة من الانتقادات كتابها الأستاذ سعيد فوده في مقال له بعنوان «نظرات نقدية في كتاب العمل الديني وتجديد العقل» من أراد الاستزادة فليدخل على الموقع المنشور عليه المقال:
17.  د.طه عبدالرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مصدر سابق، ص53. 
18.  د.طه عبدالرحمن، سؤال الأخلاق، مصدر سابق، ص71. 
19.  د.طه عبدالرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مصدر سابق، ص58.  
20.  د.طه عبدالرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مصدر سابق، ص60.
21.  د.طه عبدالرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مصدر سابق، ص61.  
22.  روح الحداثة في فكر طه عبدالرحمن: من عقلانية التجريد إلى عقلانية التأييد – مقال منشور للأستاذ يوسف بن عدي.
  1. يقول الدكتور طه عبدالرحمن في مقدمة كتابه «روح الحداثة» عن آلية عمله في كتاب «سؤال الأخلاق» الذي خصصه تخصيصاً منهجياً لهدم لبنات الحداثة ونقد ممارساتها القولية والعقلية والمعرفية، بعد أن رأى مدى تعلق مفكرينا بها وأن هذا التعلق لديهم أخذ بهم كل مأخذ «وقد بلغ تعلق هؤلاء النقاد بالحداثة الغربية أن توهموا أنها واقع لا يزول، وحتمية لا تحول، وأنها نافعة لا ضرر فيها، وكاملة لا نقص معها، فحجبهم هذا التعلق عن أن يتبينوا ما في الكتاب المذكور من أصول أخلاقية مصححة لمسار هذه الحداثة لم نقلد فيها أحداً ولو زعموا أنهم ظفروا بما يشابهها عند غيرنا، وإنما استخرجناها من معين تجربتنا الروحية الخاصة، وإلا، فلا أقل من أننا تحققنا من صدقها من خلال هذه التجربة الحية، ولا يمتنع أن يتوصل إليها غيرنا متى كابد نفس التجربة»، وكما هو واضح أن الدكتور طه عول على التجربة الروحية التي خرج منها بالنتائج السابقة، وهي تجربة رأى فيها حسب قوله ضرورية الأخلاق وأسبقيتها وأن ماهية الإنسان تتحدد بأخلاقه، وأن الهمة الأخلاقية أقوى من الواقع وحتمية الحدث،  وأن عبارة الأخلاق العلمانية عبارة متناقضة، وصعوبة انفلات الإنسان من التدين الخلقي، وهو يستخدم لفظ تحققنا ولا ينكر على أحد أن يرى مثل ما رأى لو خاض التجربة وكابد معاناتها.
24. في المقابل نرى مدى انبهار العقل العربي المجرد في مرحلته الراهنة بهذا الشيء العجيب الذي يتصرف في الأشياء تصرف القادر الذي لا راد لقدره، فيثير الفوضى ويدعو إلى الانحلال، وإلى تحطيم الثوابت بدعوى أنها حداثة معاصرة باهرة كما يراها بعض مفكرينا سيفاً بتاراً على رقاب مجتمعاتنا التقليدية على حد قولهم.
25.  روح الحداثة، د.طه عبدالرحمن، مصدر سابق، ص23
26.  روح الحداثة، د.طه عبدالرحمن، مصدر سابق، ص24
27.  ([1]) موقف طه عبدالرحمن من الحداثة، عبدالسلام بو زبرة ص108
28. يرى الدكتور إبراهيم مشروح في كتابه «عبدالرحمن طه، قراءة في مشروعه الفكري» أن مشروعية تأسيس الحداثة الإسلامية تقوم على ركن أساسي يتعلق بالإقرار بحقيقة مفادها أن الحداثة ثمرة للجهد الإنساني عبر التاريخ وهي أطوار بحيث يمكن الحديث عن حداثات مرت بها البشرية، كما يمكن الحديث عن حداثات مستقبلية يستشرفها الأفق الإنساني، وهذه الحقيقة تجعل المشروعية ثابتة لكل أمة في أن تأتي بتطبيق مخصوص (لروح الحداثة) كما جاء بها التطور التاريخي وفق تلويناتها الثقافية والحضارية، ولما كان طه قد فرق بين روح الحداثة وواقع الحداثة فقد أبرز أن واقع الحداثة ليس سوى وجه من أوجه ممكنة لتطبيق روح الحداثة! فما واقع الحداثة الحالي سوى التطبيق الغربي لتلك الروح، وهكذا انبرى طه لهذا الواقع ممارساً نقداً فريداً من نوعه ويتعلق الأمر بالنقد الأخلاقي وهو موضوع كتابه سؤال الأخلاق. ص210
29. ونقصد بها مجموعة مفكرينا العرب الذين خرجوا علينا بأطروحات حداثية غربية قالوا عنها أنها حتمية وضرورية ومصيرية وعلينا السير ورائها والأخذ بها دون التفات منهم لما في هذه الأطروحات من تقليد غربي ينافي الحداثة القائلين بها، وهؤلاء المفكرين كثيرين في شتي المجالات، ففي المجال الروائي والشعري (؟؟؟) وفي المجال الفلسفي وفي المجال السوسيولوجي (؟؟؟).
30.  فقه الفلسفة (2-القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأصيل) ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ص1، 1999، ص12
31.  موقف طه عبدالرحمن من الحداثة، عبدالسلام بو زبرة ص113
32.  د.عبدالرحمن طه، روح الحداثة مصدر سابق، ص29.




: بحث منشور على موقع مؤسسة مؤمنون بلاحدود 
http://www.mominoun.com/arabic/ar-sa/articles/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B9%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D9%8A%D8%AF%D8%A9/2465