السبت، 7 أكتوبر 2017

تأثير التجربة الروحية على الأعمال الفلسفية :
10مارس 2015
منقول من موقع ذوات

ما هو تأثير التجربة الروحية في حياة المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن على أفكاره الفلسفية والأخلاقية؟ الجواب على هذا السؤال، جاء في دراسة حررها الباحث المصري محمد أحمد الصغير علي عيد ونشرت في موقع "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" وعنوانها "خصائص التجربة العقلية والصوفية من منظور طه عبد الرحمن".
وينطلق الباحث في دراسته من الإشارة إلى أنه لا يمكن فهم الأساس الداخلي لفكر طه عبد الرحمن، إلا بربطه بتجربته الروحية، أو بالأحرى "التجربة الروحية الحية" كما يحلو له أن يسميها. كما أن مفهوم العقلانية بدرجاتها، وبخاصة العقلانية التجريدية، لا يمكن استيعابها أو الوقوف عليها، بغير فهم دقيق للمسار الروحي في حياته، وعلى أساس ذلك يمكننا الإقرار بأن هناك آصرة ترابط بين حياة طه عبد الرحمن الفكرية والفلسفية من جهة، وسيرته الروحية من جهة أخرى.وقد تعمد طه عبد الرحمن سرد جزء من هذه السيرة الروحية في كتابه "العمل الديني وتجديد العقل"، جاء تحت عنوان "بين يدي التجربة الدينية الحية".
ويرى الباحث أن التجربة الروحية في حياة طه عبد الرحمن كانت بمثابة منعطفٍ ذي أهمية قصوى، أدى إلى إحداث تغيير جذري في أفكاره الفلسفية والأخلاقية على السواء. ويمكن إرجاع ذلك في الأساس الأول إلى نشأته الأولى، فيذكر طه عبد الرحمن أنه نشأ "في بيت جعله والده، مدرسة ظل يشتغل فيها بتحفيظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية والمتون العلمية، وبتدريس أصول العقيدة وأحكام الفقه". هذا هو العامل الأول الذي أسهم بشكل كبير في تشكيل السمات العامة للحياة الإيمانية/الصوفية عند طه عبدالرحمن، والتي سوف تجد لها نافذة أخرى للتحليق في فضاءات سامية من الروحانية، وقد تجسد هذا العامل الثاني في ملازمة عارف بالله، وهو الشيخ حمزة القادري البودشيشي.
وحتى يمكننا إعطاء هذه التجربة الروحية حقها وقيمتها داخل نسق الفكر الطاهائي، يؤكد الباحث أحمد الصغير أن الأساس الميتافيزيقي لتصور طه عبد الرحمن حول مفهوم العقل ودرجات العقلانية، جاء من وحي تجربته الروحية، وقد شكل ذلك لديه عُصارة التجربة الصوفية، وانطلاقًا من هذا الأساس، يرى الباحث مدى تلازم وترابط التصور الأخلاقي لطه عبد الرحمن بتجربته الروحية التي لا تتعارض عنده أبداً مع المعرفة العقلية، بل هي بنظره (أي التجربة الروحية) تفعل في المعرفة العقلية أضعاف ما تفعله التجربة الحسية. والتجربة الروحية ليست إلا الدخول في تجربة حية، تنال كلية الإنسان، وتبلغ من القوة والرسوخ درجة تفوق قوة ورسوخ النمط المعرفي الموروث، ذلك لأن الذات الإنسانية هي التي تصدر عنها الأفعال صدور الآثار، كما تظهر منها الصفات ظهور التجليات.
 التجربة الروحية في حياة طه عبد الرحمن كانت بمثابة منعطفٍ ذي أهمية قصوى، أدى إلى إحداث تغيير جذري في أفكاره الفلسفية والأخلاقية على السواء. ويمكن إرجاع ذلك في الأساس الأول إلى نشأته الأولى
ومن ملاحظات الباحث النقدية أن ما يثير انتباه الباحثين هو أن يغيب عن فضاء الدراسات الفلسفية النقدية، هذا الجانب المهم، والذي يمكن اعتباره أنه من أهم المصادر الفكرية التي قامت عليها فلسفة طه عبد الرحمن، فمن وحي التجربة الحية جاء مفهومه واضح للعقلانية، ودرجاتها، وبتأثير التجربة الروحية قدم طه عبد الرحمن تقويمه للتراث وأقام نظريته التكاملية، ناهيك على نقده للحداثة التي هي صدى لهذه التجربة، ومحصلة لها أيضًا، ثم إن ماهية الإنسان تتحدد بالأخلاق، هكذا قال طه عبد الرحمن، بعد أن خاض غمار التجربة الحية، وخرج منها أكثر اقتناعًا، بل ويقينًا بأن الماهية الإنسانية تحددها الأخلاق، وأن الأخلاق شيء أساسي وضروري للإنسان.
سوف نأخذ مثالاً اشتغل عليه الباحث حول تأثير هذه التجربة الروحية في مؤلفات طه عبد الرحمن، وهو تأثيرها على ترجمة المصطلحات الفلسفية، حيث يضرب طه عبد الرحمن مثالًا لترجمة بعض المصطلحات والمقولات الفلسفية السائدة، ويقدم لنا نموذجًا يحتذى به في الترجمة التواصلية، من خلال ترجمته للكوجيتو الديكارتي (أنا أفكر إذن أنا موجود)، فيترجمه بطريقة إبداعية خالصة: "انظر، تجد"، وهي كما يرى الباحث أحمد الصغير، ترجمة للكوجيتو، وفقًا لرؤية طه عبد الرحمن الفلسفية الصوفية المؤيدة. وهذا ما تجلى بوضوح في ترجمته للكوجيتو الديكارتي، وفي ذلك يقول طه عبد الرحمن، مدافعًا عن وضعه لهذه الترجمة "انظر، تجد": "لم أضع ترجمة الكوجيتو للوهلة الأولى، بل حررت ما ينيف عن ثمانين صفحة لتبرير اختياري لهذا المفهوم أو ذاك، في المقابل الذي وضعته، فوضحت لماذا اخترت استعمال لفظ (نظر) بدل (فكر)، ولماذا اخترت مفهوم (الوجود) بهذا المعنى، ولماذا استعملت صيغة الخطاب ولم أستعمل صيغة المتكلم.
وقدمت لذلك كله بنقد مطول للترجمة المتداولة: (أنا أفكر، فإذًا أنا موجود)، وبينت أن ما نستنتجه منطقيًا من هذا المقابل العربي، من لوازم ونتائج، لا نجده على مستوى الأصل الأجنبي؛ فمثلًا، الذي يقول: (أنا أفكر) يركز على (وجود الذات)، بينما في الأصل اللاتيني أو الأصل الفرنسي جاء التركيز، في الجزء الأول منه، على (فعل التفكير)، وليس على (وجود الذات)، لأن هذا الوجود تم استنتاجه في الجزء الثاني. وهكذا، فإن مراد ديكارت هو: (أن التفكير يوصل إلى وجود الذات التي تفكر)، في حين أن الترجمة العربية تضع الذات في المنطلق، مسلمة بها، وبهذا، تصادر على المطلوب. الحق أن هناك أخطاء كثيرة في هذه الترجمة التي ترسخ استعمالها، وبالتالي نحتاج إلى تلافي هذه الأخطاء في أي نقل عربي لمقولة ديكارت؛ من هنا وضعت عبارة: (انظر تجد)، وتوصلت إليها بمقتضيات وقواعد محددة [..]. ومما سرني أنه، بعد وضعي لهذه الترجمة الخاصة، وبعد صدور كتابي، جاءني من يحمل إليَّ كتابًا فيه قصائد شعرية، ويلفت انتباهي إلى تضمنه بيتًا وردت فيه العبارة التي وضعت بعينها، وهو: يا تائهًا في مهمَّة عن سرِّه انظرْ تجدْ فيك الوجود بأسرِه.
وهذا قد يكون بيتًا صوفيًا قديمًا، لكني فوجئت به لأنه يشكل، بالنسبة لي، دليلًا قويًا على أني أصبت في ترجمتي لـ(الكوجيتو) من وجهين: أولهما أني اخترت العبارة التي لها أصل تداولي، بدليل اشتراكي في استعمالها مع غيري، من غير سابق قصد، ولا سابق اتصال؛ والثاني، أن هذه العبارة تفتح باب الإبداع، بما يزيد عن أصلها اللاتيني أو الفرنسي؛ فواضع الكوجيتو أراد أصلًا إثباتَ (وجود الذات)، ثم استنتاج (وجود الله) و(وجود العالم) من هذا الإثبات الأول، في حين المقابل الذي وضعته ــ أي (انظر، تجد)، يفتح الطريق لإثبات من نفس الرتبة لهذه الموجودات الثلاثة، حيث يمكن أن نقول: (انظر، تجد نفسك) و(انظر، تجد الله) و(انظر، تجد العالم)؛ أي نحن أمام عبارة نستطيع أن نستنتج منها أدلة ديكارت الثلاثة المعروفة بالسوية، ويبقى الباب مفتوحًا لترتيب هذه الأدلة، بحسب اعتبارات أخرى للمتفلسف، كأن يختار أن يقدم إثبات وجود الله، باعتباره الأصل الذي يتفرع منه الإثباتان الآخران".
ومن خلاصات الدراسة أن التجربة الصوفية من منظور طه عبد الرحمن، هي تجربة عشق للكائن الأسمى (مكوِّن الأكوان) واجب الوجود؛ فالمكلف لا يجد مشقة في قيامه (بما كلف به) من التكليفات، وإنما يجد سعادة غامرة، وهو يترقى بالنوافل، ويتخلص من هوى نفسه، ذلك لأنه على يقين بأن الله يراه ويبصره ويرعاه.
كما يبرهن طه عبد الرحمن على كمال المعرفة العقلية، من خلال خوضه لغمار التجربة الصوفية بثلاثة شروط أو مبادئ: مبدأ اجتماع المقال والحال (مبدأ اقتران العلم بالعمل، مبدأ رؤية الله في كل شيء (مبدأ اقتران المعرفة العلمية بالمعرفة الغيبية، مبدأ التقرب بالنوافل (سلامة الزيادات. هذه المبادئ الثلاثة التي صاغها طه عبد الرحمن، يعتبرها من شروط كمال كل معرفة عقلية، ومقدمة بديهية لخوض غمار أية تجربة عرفانية.
لقراءة الدراسة كاملة على الموقع الإلكتروني لـ"مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق