الجمعة، 3 يناير 2014

عادل الرشيدي يبعث الأمل من جديد في روايته «حينما يبتسم القدر»

 
لا يمكن إغفال عنوان رواية أ. عادل الرشيدي التي طرحت في الأسواق بعنوان «حينما يبستم القدر» فالعنوان يمثل عتبة النص الأول عند النقد والتحليل، وقد جاء العنوان يحمل معه الأمل، ويبعث على التفاؤل، ويؤكد على عمق التجربة الايمانية التي تؤمن وتسلم بالقدر وفاعليته في الحياة وقدرته على تبديل الامور والاحوال وتغير الاحداث والشخصيات، فتارة يبتسم القدر، فتمطر الأرض وتتوحد الصفوف وتزدهر الحياة بالمباهج وتارة يغضب القدر، فتمطر الارض وتتوحد الصفوف وتزدهر الحياة وتعج بالمباهج وتارة يغضب القدر، فتسود المحن ويحل الكساد في العقول والشح في الأنفس بما كسبت ايدي الناس!! هذه الفاعلية القدرية التي ليست بمعزل عن الارادة البشرية هي ما نتابعه في احداث الرواية التاريخية بأحداثها المهمة، فها هو القدر ينادي رجالاته الأشاوس، وينفخ في أرواحهم اليقين ويبث في ارادتهم العزم والهمة، كي ينهضوا بالمهام القدرية المنوطة بهم.
 
الملك عبد العزيز آل سعود

 الذي يتابع احداث الرواية يكتشف ان عنوانها لا ينفك عن مضمونها، فبطل الرواية الملك عبد العزيز آل سعود هو نجم بزغ نوره في ليل حالك في تاريخ الامة، جاهد وناضل من اجل نصرة الحق وتحقيق الوحدة والاتحاد من بعد التشرذم والتفرق الذي ساد جزيرة العرب، كما ان العنوان يبين للقارئ اللبيب ان الانسان ليس مفصولا في هذا العالم عن قدره وان هذا القدر سطر في اللوح من الازل، ويرى القارئ كيف ساعد القدر بطل الرواية وألهمه وأرشده إلى توحيد الصف، وابتسم له ولأعوانه لينشروا التوحيد ويعلوا كلمته.

بوح المؤلف

 يفتتح المؤلف روايته الرائعة ببوحه عن رؤيا عجيبة رآها في احدى الليالي القمرية، رأى في منامه الملك عبدالعزيز آل سعود واقفا في صحراء واسعة شاسعة! وعن يمينه خيمة عربية اصيلة «بيت شعر» رابضة في مكانها لا تحركها الريح أو يخفي ملامحها الغبار. في دلالة من الكاتب على عظيم صنيع الملك «وعن شماله اسد وشبل وقد حفت به حيوانات مختلفة منها الاليف والمفترس والأخيرة تهجم على الاولى التي تفر منها بأمان وقد طالتها مخالب الاخرى غير انها تكف عنها»، ثم فجأة تغير كل شيء واينعت الارض وبدأت في الازدهار والازدهار وقائل يقول: «هذه سلة الزهور لا تنبت الا في جزيرة العرب».
وهي بداية تشعر القارئ من الوهلة الاولى انه امام عمل روائي لا يقل اهمية عن الاعمال الروائية التاريخية العالمية التي تناولت عظماء العالم وسردت تفاصيل حياتهم الخاصة والعامة، وتذكر القارئ ثانية بأساطين الادب الروائي اللاتيني «جارسيا ماركيز - باولو كويلو- والشاعر بورخيس» وغيرهم من شعراء وأدباء ينتمون الى تيار ادب الواقعية السحرية الذي يمزج الواقع بالخيال، والحقيقة بالسحر والخرافة!!
فنرى مثلا في احدى روايات ماركيز «مائة عام من العزلة» ان احدى الشخصيات الروائية ينمو لها ذيل!!
كان هذا المنام أو «الرؤيا الصادقة» هي دافع الروائي الكويتي عادل الرشيدي الى استكمال مشروعه الذي يحلق في فضاءات تاريخية غاية في الاهمية لحقبة زمنية ممتدة منذ سقوط الخلافة العثمانية حتى تأسيس الدولة السعودية الحديثة ووفاة زعيمها الملك عبد العزيز رحمه الله الذي ناضل وكافح من اجل رفعة راية التوحيد عالية خفاقة.
وفي بوح المؤلف يفتتح فيقول «فللدول اعمار، ومعيار أعمارها وامتداده هو العدل».
تشعر من البداية انك امام روائي امتلك اداته بحكمة ومهارة شديدة، ناهيك عن هضمة واستيعابه لجميع الاحداث التاريخية التي تناولها.

السرد الروائي والسرد التاريخي

 في البداية احب أن انوه الى ان الكتابة عن التاريخ باستخدام طرائق السرد الروائي هي من اصعب انواع الكتابات، لعدة اسباب يعود السبب الاول الى ان التاريخ يعد مادة جافة تعتمد على التسلسل الزمني واللغة التقديرية الخالية من المحسنات لان غايته هو الاخبار التوثيق للحدث بينما السرد الروائي في معالجته للتاريخ يميل الى الانتخاب والانتقاء لاحاديث بعينها دون غيرها الى جانب التكثيف والاختزال، ذلك ان غايته الامتاع وهو يبعد عن اللغة التقريرية الاخبارية ويلجأ الى الخيال واللغة الادبية التي تزيد من امتاع القارئ وتثري عقله ووجدانه! وهذا ما نهض عليه اسلوب الكاتب عادل الرشيدي في روايته «حينما يبستم القدر» الذي جاء اسلوبه سهلا وجميلا، ينتقي فيه مفرداته بدقة، ويختار جمله الحوارية بشكل يليق لكل شخصية.
والصعوبة الثانية من الايدلوجيا «التكوين الفكري» الذي احيانا يتحكم في عقل الكاتب الروائي فلا يمكنه الكتابة عن شخصية تاريخية مشهورة بغير وجهة نظر واضحة وصريحة ومعلنة مسبقا، وجهة نظر الكاتب في الشخصية التي قام بالكتابة عنها واضحة وصريحة فهو معجب اعجابا شديدا بشخصية الملك عبد العزيز آل سعود وهو يعمل في روايته على انصافه وينقل للقارئ بعد ان ينتهي من قراءته للرواية شعور بعظمة هذا الزعيم والمناضل العظيم مؤسس الدولة السعودية الحديثة.
وقد حاول الرشيدي ان يخفف من وطأة المادة التاريخية لهذه الفترة الثرية المكتظة بالأحداث فقام بتقسيم روايته الى ثلاثة فصول، الفصل الاول «26 صيفا»، والفصل الثاني «26 خريفا»، والفصل الثالث «25 شتاء» وهو يستعيض عن التتابع الزمني بتتابع فصولي «نسبة الى فصول السنة الأربع»، وهناك سببا لغياب فصل الربيع عن فصول روايته يدل على جودة الحبكة؟

 فصول الرواية
حدد المؤلف فترة زمنية لفصله الاول «25 صيفا» ما بين «1896-1902» وهي تقريبا سنوات بدأها بالكويت وانتهى الى الرياض.
فيكون لدينا امتداد زماني ومكاني محددان، واحداث تجري وشخصيات تتحرك وتتفاعل وتصدر فعل وردود فعل، كل ذلك يدلل ويؤكد على حقيقة مفادها اننا امام كاتب متمرس يستعمل ادواته الادبية واسلوبه السهل الآخاذ ليحيل مادة التاريخ الجافة الى خيال روائي يتحرك ويتفاعل في نسيج سردي وبنائي محكم ورسم دقيق لتفاصيل الشخصيات والاماكن والانفعالات.

الكويت

 يبدأ الفصل الاول مكانيا بالكويت وزمانيا 1898 وينتهي مكانيا بالرياض زمانيا 1901، يرسم الكاتب تفاصيل مدينته الكويتية بمهارة فائقة كرسام ماهر يعرف كيف يحرك ريشته بداخل لوحته الفنية.
واكثر ما لفت نظري في الفصل الأول الكيفية التي كان ينتقل بها الكاتب ما بين الأماكن والاحداث، فهو ينتقل بمهارة فائقة دون ان يشعر القارئ بأن ثمة قطع «أو نقل» قد حصل، وهذا يذكرني بالعمل الفيلمي الذي يعتمد فيه الكاتب على ادوات اخرى المزج والقطع للنقل بين المشاهد.

الشيخ مبارك الصباح

 النقلة التي فعلها الكاتب عندما تحدث عن مؤامرة الاغتيال التي يدبرها يوسف الابراهيم للشيخ مبارك بمعونة حاكم حائل في ذلك الوقت، هذا الانتقال ما بين الاحداث بهذه الطريقة التي ابتكرها عادل الرشيدي يذكرني بالمونتاج السينمائي.
أصابت الرصاصة هدفها، فيشعر القارئ انها الرصاصة الغادرة التي جاءت وليدة المؤامرة ولكنه سرعان ما يكتشف انها حيلة ذكية قام بها المؤلف فالرصاص والبارود يخترق جسد نخلة.
ولغة الحوار في الفصل الاول لغة سهلة وطيعة رغم انها تحافظ على فصاحتها الا انها في كثير من الاحيان تشعر القارئ بقربها من قلبه ووجدانه وكأنها لغة حديثه العادي «العامي» ويتصاعد الحدث الدرامي منذ بداية الفصل الاول، لنرى كيف ان بطل الرواية قلبه يحترق حسرة على ملك آبائه ويتحين الفرصة لاستعادة مجده وملكه الذي فقده بسبب الخلافات الاسرية التي وقعت، وتفتح عين الكاميرا رويدا لنشاهد المكان الذي يقيم فيه البطل الروائي مع ابيه الامام عبد الرحمن، ونعرف انها ارض الكويت التي آل بها مستقرهم الاخير «اخذت الذكريات تبحر به من لجوئهم الى البحرين ثم قطر واخيرا الى الكويت».
وفي قاعة القصر الملكي يجلس اعيان ووجهاء الكويت في صمت، يستمعون الى حديث الشيخ مبارك الكبير، ويوافق شيخ الكويت على خوض المعركة ضد ابن رشيد بعد ان حاك المؤامرات ضده ويؤيده في حربه آل سعود واعوانهم من آل مهنا وآل سليم، ويجتمع جيش كبير للجيش مبارك ويكون فيه الشاب عبد العزيز على فيلق كبير من الجيش ليتوحد الهدف في القضاء على ابن رشيد.
وقد احكم الكاتب وصفه لتفاصيل المعركة التي دارت رحاها، فكأنك تشعر بتحرك خيول الجند وصوت طلقات البارود ودخانها وتشتم رائحة الدم الممزوج برائحة البارود!!

الفصل الثاني «25 خريفا»
الخريف في حياة الملك عبد العزيز
ما يروى عن جلالة الملك عبد العزيز آل سعود انه كان مواظباً على قيام الليل، حتى في اشد اللحظات قسوة وصخباً.. وهذا يدل على عمق شجرة الإيمان التي ترسخت في نفس الملك، الذي قال عنه المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد «الملك عبدالعزيز داهية العرب!!».
في الخريف.. تتساقط أوراق الأشجار الذابلة، وتتخلص الأزهار من أوراقها التالفة، وتنتفض الأنفس كانتفاضة الاشجار في فصل الخريف!.
والخريف الذي حل في حياة الملك عبدالعزيز كان خريفاً ذا معنى وقيمة بحسب الرواية، فها هو الملك يخلص دولته من كل المؤامرات التي تحاك ضدها وكل المعارضين الذين ينفخون نار الفتنة، ويسقط أعداءه كما تسقط الشجرة أوراقها التالفة، استعداداً للأزهار مرة أخرى، فهو يستبدل ملكاً جائراً، بملك أخر مؤسس على العدل والحق ونصرة الضعفاء واعلاء كلمة «لا إله إلا الله» وهدم كل دعائم الوثنية القديمة.

الاحتفال بالنصر في أرض الكويت

 يبدأ الفصل بحبور وبشرى عمت أرجاء ارض الكويت، ففي قصر الشيخ مبارك جاء الإمام عبدالرحمن يهنئ الشيخ على نصره على عدوهما واسترداده لمدينة الرياض، بعد ان قتل عاملها هناك.
لبس الامام اجمل حلة لديه وسار الى قصر الشيخ مبارك يصحبه ابناءه فيهم تركي وسعود ابناء عبدالعزيز، فما ان دخل على الشيخ وحوله رجاله وأعيان الكويت حتى علت على وجهه البهجة.
الشيخ بتوتر: هل فعلها ابني يا أبا فيصل؟
الإمام بفرح: نعم لقد استرد ابنك الرياض وقتل عامله.
وعلى الفور امر الشيخ مبارك امير الكويت آنذاك ومؤسس الدولة الكويتية الحديثة بإعداد الولائم وتجهيز الاحتفال بهذا النصر المؤزر وقال مقولته الشهيرة في «الملك عبدالعزيز» وقد التف حوله رجاله وأعيان الكويت ينصتون باهتمام شديد.
«لم يخب ظني به أبداً فقد رأيت تميزه دون غيره من الغلمان لما ووطأة قدماه أرض الكويت، وخلال نشأته لم يلهى بما يله به الشبان، بل أقبل على العلم وتعلم الفروسية»، وواصل الشيخ مبارك حديثه للامام عبدالرحمن قائلاً: «سأذودكم بالمال والمركب الذي يوصلكم وكذلك سأرسل معكم دليلي الخاص مشلح بن هدبه الرشيدي، مع أنه يشق علينا فراقكم»، وتفيض عينا الإمام عبدالرحمن بالدمع حزناً على فراق الشيخ مبارك وأهل الكويت ويقول شابا جابر لقد كنت نعم الجار ونعم الصديق لنا، فأهل هذا البلد أهلونا ونحن أهلهم كذلك.
واحتفلت الكويت أميراً وشعباً بنصر الملك عبدالعزيز، وأطلقت الأعيرة النارية في سماء الكويت فرحاً بالنصر، ووزعت الأطعمة على أهلها، وبعد ايام غادر الامام عبدالرحمن وعائلته وأعوانهم عائدين إلى بلادهم.

عبق تاريخ وحضارة بلاد الجزيرة
يجيء حديث مختصر على لسان احد ضباط الامبراطورية البريطانية آنذاك، يدعو الى التأمل استطاع الكاتب ان يقتنصه من كتب التاريخ وان يحضره الينا في صورة روائية توحي بالرمزية والابتكار والاسقاط على الواقع المرير الذي تعانيه أمتنا.. فها هو الضابط الانكليزي يقول «لقد خدمتنا الدولة العثمانية حين اهملت جزيرة العرب مهد رسالتهم، ولا يعلمون بأن - فرقتهم وتناحرهم - إنما يخدم اهدافاً سياسية» لبلادنا التي تعمل بقاعدة قديمة وهي فرق تسد!
عندما يأتي هذا الحوار على لسان أحد الشخصيات الأوروبية يكون حواراً ذا معنى وله دلالة، فليس الغرب كله اسود وليس الشرق كله ابيض، وانما هناك ما بين الاسود والابيض تدرجاً للرمادي او بالأحرى هناك ايجابيات وسلبيات، والعقل الذكي هو العقل الذي يفلح في الاستفادة بالأشياء الجميلة وترك الاشياء القبيحة لأصحابها!
وهذا ما فعله الملك عبدالعزيز فهو يتحالف مع الغرب من اجل توحيد دعائم دولته، ويأخذ من الغرب ثمرته لينقل لأبناء شعبه الخير والهناء، لينعموا بحياتهم بعد ان قاسوا شظف العيش لسنوات، وهذا عين ما فعله الشيخ مبارك بذكاء وحنكة من اجل ان يصون بلده ويحافظ لها كرامتها وعزتها ويحميها من الاعداء المتربصين بها في كل مكان، ولا مضرة في ذلك ولا عيب ما دام وراء هذا التعاون خير لأبناء الشعب قد لا تعيه العقول الصغيرة!.

والملاحظ في هذا الفصل بالذات تركيز الكاتب الكويتي الرشيدي، على الرابطة الابوية الاعتبارية التي كانت بين الشيخ مبارك امير الكويت وبين ابنه الملك «عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود»، هذه الرابطة كانت تقويها التحالفات والفزعات التي كانت يفزعها كلا الطرفين من اجل نصرة بعضهم البعض، فالملك عبدالعزيز سرعان ما هب لنجدة ابيه الشيخ مبارك عندما استنصره لتأديب المناوئين له في الحكم، وجاء الملك عبدالعزيز آل سعود ورجاله مدافعين عن الكويت واستقبلهم الشيخ مبارك بكل فرح وسرور كاستقبال الاب لأبنه الذي غاب عنه قرابة العامين.

اهتمام الروائي بوطنه الكويت
مرة اخرى نلحظ اهتمام الروائي ببلده الكويت، فيرصد لنا وفاة الشيخ مبارك، ويروي لنا كيف جاءت الجموع وعلى رأسها الملك عبدالعزيز من اجل التعازي.

«سار عبدالعزيز الى الكويت يصحبه بعض من افراد اسرته وخاصة رجاله، فقدم التعازي للشيخ جابر بوفاة والدهما، ثم اقام عدة ايام فلما اراد المغادرة، قام الشيخ جابر بعناقه بحرارة شديدة وبادله الملك عبدالعزيز مشاعر الاخوة واثنى عليه وقال له سنكون سند لكم كما كنا ايام والدنا الشيخ مبارك - رحمه الله -.
يملتئ الفصل الثاني «25 خريفا» بزخم في الاحداث وتنوع في الشخصيات ومن اكثر الشخصيات الاجنبية التي رصدها الكاتب شخصية الانكليزي «هاري فليبي» الذي اسلم على يد الملك عبدالعزيز واصبح اسمه «عبدالله فليبي».
هاري فليبي بعد إسلامه


ختام الفصل بالشعراء
ويختتم الفصل الثاني بعنوان رائع «الشعراء»، وعلى الرغم من ان الشعراء منطقة بغرب الرياض الا انني ارى ان الكاتب دفع بهذه الكلمة ليلفت النظر الى محبة الملك عبدالعزيز لأهل العلم واهل الفصاحة والبيان واغداقه للأموال والهدايا عليهم، وقد اخذ الملك يخطب في اهل الشعراء قائلاً بعد ان اثنى على الله وصلى على نبيه المختار: «لم تردع المفسدين موعظة.. ولم يحجزهم الاسلام.. ولم يمنعهم عهد.. ولم يفيد فيهم عطاء.. ولم يؤلف قلبهم معروف!!، فلما حضر الغد، حضر - أهل منطقة الشعراء بغرب الرياض - وأخبروه بأنهم على عهدهم وتحت أمره فليرى ما فيه خير للرعية».

الفصل الثالث «25 شتاءً»
بناء حقبة من الماضي
نفتتح تحليلنا واستقراءنا النقدي للفصل الثالث «25 شتاءً» من رواية «حينما يبتسم القدر» بمقولة شهيرة لـ«كنكور» يوضح فيها علاقة الرواية بالتاريخ فيقول: «التاريخ رواية ما وقع، والرواية تاريخ ما كان يمكن ان يقع».
وهذا يدفعنا الى القول إن الفصل الثالث من الرواية بدت فيه اهم الملامح التي تحدد سردية النص الروائي وهو ينفتح على التاريخ لإنتاج الرواية التاريخية، فالرشيدي اعاد بناء حقبة من الماضي بطريقة تخيلية تتداخل فيها الشخصيات التاريخية مع شخصيات اخرى «متخيلة»!!، وهنا نجد حضور للمادة التاريخية لكنها مقدمة بطريقة ابداعية وتخيلية رائعة، وهذا يتفق مع كون الرواية التاريخية عملاً سرديا يرمي الى اعادة بناء حقبة من الماضي وفق قواعد الخطاب الروائي.
فعندما يحكي لنا راو في مجلس خبراً يقدمه لنا من خلال شخصيات تاريخية معروفة لدينا وفي فترة زمنية محددة بالسنوات وفي مكان معروف جغرافياً وتاريخياً، نكون امام خبر «تاريخي» يريد من خلاله مرسله التأكيد على صحة الخبر ووقوعه فعلاً في الزمان، اما عندما يسلب مرسل اخر الخبر بعده التاريخي، ويقدمه غفلاً من اي ايحاء الى زمان مضى، ويرهنه بجعله يجري في زماننا نكون امام خبر «غير تاريخي» ونتعامل معه بكيفية مختلفة، يجمع بين الخبرين البعد السردي، وطريقة الخطاب التي قدما لنا من خلالها، فيكون ذلك باباً آخر يمكن ان نتلمس فيه الفروقات بين الخطابات من حيث بعدها التخيلي، والوظائف التي تضطلع بها انطلاقاً من طبيعة النص، ومختلف ما يعتمل فيه لتحقيق ابعاده الجمالية والمعرفية.
يبدأ الفصل بعنوان طويل نسبياً «مملكة نجد والحجاز وملحقاتها» وهو عنوان كثيراً ما نطالعه في كتب التاريخ، وزمانيا يحدد الكاتب سنة 1931 مسرحاً لبدء احداث الفصل الى سنة 1953 وهي سنة وفاة الملك عبدالعزيز آل سعود، بعد ان ارسى دعائم دولته الفتية الحديثة، ويختم الكاتب روايته بالوصية وصورة قديمة لجريدة «البلاد السعودية» وبها نعي وفاة الملك.
الاحداث تتلاحق في هذا الفصل بشكل مثير للدهشة فمنذ بدء بعثات التنقيب عن الذهب الاسود في ربوع المملكة، وبعد وقوع الحرب العالمية الاولى في الفصل الثاني من الرواية «25 صيفاً»، ونحن نلحظ اهتمام الغرب والعالم بهذه الدولة التي اخذت تتشكل ملامحها على ايدي جلالة الملك الهمام «عبدالعزيز آل سعود» فهو الذي حث بعثة التنقيب الامريكية بعد ان ملت وكلت من البحث والحفر عن النفط لمدة ستة سنوات كاملة في التنقيب، وبعد ان وجدت النفط في السواحل الغربية للبلاد، غير ان هذا النفط الذي عثر عليه لا يكفي حاجات البلاد ولا يرضي طموحاتها، وهنا استعير عبارة الرشيدي قائلاً في فصل روايته «فكادت البعثة ان تتوقف لولا حث الملك لهم بالصبر والمثابرة، فاستمروا اشهراً حتى تفجر النفط فجأة! واخذ يتطاير في الهواء ثم يسقط عليهم».

الشيخ أحمد الجابر
ينتقل الروائي في خفة ومهارة فائقة ليقدم لنا المنظر المشهد الذي يلي هذا المشهد على التوازي في بلاده، ويبين فيه أواصر القربى والحميمية التي جمعت بين أمير البلاد الكويتي «الشيخ أحمد الصباح»، وملك البلاد السعودية «الملك عبدالعزيز» لصد أطماع الغاشمين والطامعين في الرزق الجديد الذي تفجر بالكويت.

والنقل السريع الذي يمتاز به سرد المؤلف ما بين السعودية والكويت هو نقل ضروري، أو تحتمه ضرورة سردية وأدبية اذا جاز التعبير، فليس الكويت مفصولاً عن بلاد الحجاز وليس الحجاز مفصولاً عن ارض الكويت وانما الاثنين يمثلان اذرعاً لجسد واحد يواجه الخصوم ويردع الاعداء.
فبعد ان بانت اطماع حكومة العراق في الهيمنة على نفط الكويت، حشدت السعودية قواتها على سواحل الكويت، بعد ان اخذت الضوء الاخضر من اميرها آنذاك «الشيخ أحمد الصباح» - رحمه الله - فقمعت الفتنة من الكويت وهرب من هرب إلى العراق، وجاء تحذير شديد اللهجة من الملك عبدالعزيز ينذر العراقيين من مغبة التصرف بحماقة تجاه الدولة الكويتية العربية الاسلامية الشقيقة، ثم دقت طبول الحرب العالمية الثانية او الحرب الكونية كما يسميها الرشيدي في روايته.

اليهود وفلسطين
وجاء الرئيس الامريكي «روزفلت» على احدى البوارج الامريكية مقعداً على كرسي ذو عجلات، لطلب من جلالة الملك «عبدالعزيز» ان يخفف لهجته الشديدة المعادية للسامية، وجاءه الرد مفحماً وقوياً من الملك، الذي قال في فخر وإباء «لن أصمت ابداً عن قول الحق، واليهود استوطنوا اراضي فلسطين بعد ان لفظتهم أوربا، أفلم يجدوا سعة في اراضيها حتى يرحلوا الى بلادنا».

وفي حوار شائق استطاع الرشيدي ان يعطيه ثقل تاريخي ينقل لنا دفاع الملك عبدالعزيز عن ارض فلسطين، ثم وقعت الواقعة! فور انتهاء الحرب العالمية الثانية وقامت دولة اسرائيل على الدم والقتل واغتصاب الارض، فثارة ثائرة جلالة الملك عبدالعزيز، ودافع عن الحق العربي والاسلامي في فلسطين وسلح المجاهدين وحثهم سراً على الجهاد من اجل استعادة الارض المقدسة! ولكن دون جدوى!.
فالغرب والعالم يساند قام اسرائيل، والعرب - كل العرب - آنذاك دول ضعيفة لا تقوى على مجابهة هذا المتغطرس الامريكي ومعه شوكته الصهيونية التي زرعها في ظهر الجسد العربي كي يحكم سيطرته ويزيد من ايلامه.
ومن اكثر الاشياء التي اثارت انتباهي في اول فصل «25 شتاءً» هي قدرة الراوي الكاتب السارد على الانتقاء والاختيار ما بين الحقب الزمانية والشخصيات الواقعية، ليعزز من رؤيته المسبقة، فالكاتب اراد ان تكون روايته توثيقا لسيرة كوكب من كوكب الامة العربية، قل ان يجود به الزمان ثانية، «وحدة الامة وشد من ازر حلمه في رؤية وطن يرفع راية التوحيد، بعدما وهنت الامة، واصبحت عرضة لكل ريح تعصف بها».
الذي يعاب على الرشيدي
الذي يعاب على الاستاذ عادل الرشيدي كاتب الرواية شيء واحد فقط، فبرغم امتلاكه لموهبة ادبية رصينة واسلوب يتحاور به مع القارئ ويخلق من خلال مفرداته شعور طيب يترك اثره لدى القارئين الا انه دائم البعد عن الجانب الرومانسي والعاطفي في حياة شخصياته ولعله يحاول بذلك عدم ابتزاز مشاعر القارئ وتقديم شيء مختلف له، او لعل التزامه الشديد بتعاليم الدين هو ما جعله حريصاً بشدة على عدم دخول الاسفاف في اعماله، وهذا يفتح لنا بابا في مناقشة المشاعر الرومانسية البريئة في علاقتها مع الادب الملتزم الذي يمكن تصنيف الرشيدي باعتباره رائداً من رواده.
بقلم : الأستاذ محمد أحمد الصغير
ناقد وباحث من مصر

المقال منشور على مدونة الروائي : http://novelistalrashidi.blogspot.com/2013/12/blog-post_12.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق